Pages

Senin, 04 September 2023

كيف نهج المفسرون في تفاسيرهم؟


وقد اشتهر من الصحابة من فسروا القرآن الكريم إما اجتهادا منهم أوسماعا من رسول الله. وشرحوا في بعض الأحيان أسباب نزول الآية أو فيمن نزلت هذه اﻵية بحيث أنهم قد عاصروا الرسول وشاهدوا نزول الوحي. وكانوا يقتصرون في تفسير القرآن لتوضيح المعنى اللغوي الذي فهموه من اﻵية بأخصر لفظ مثل قوله تعالى : {فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ} قال ابن عباس : غير متعد لإثم [1].وزاد أحيانا سبب نزول اﻵية كما في قوله تعالى : {إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ} فعن أبي سعيد بن رافع قال قلت لابن عمر : نزلت في أبي طالب؟ قال : نعم. وقد ورد بعض الطرق عند البخاري ومسلم وغيرهما في سبب نزول هذه الآية حين حضرته الوفاة وكان الرسول يراوده على الإسلام [2].إلا أن تفاسير هؤلاء الصحابة لم تصل إلينا كاملة مدونة في كتب إلا نادرا جدا. ولكن قد ذكرت آراءهم في بعض تفاسير العلماء الذين جاءوا من بعدهم مثل تفسير ابن جرير الطبري. وتعتبر تفاسير هؤلاء الصحابة من أعلى أنواع التفسير إلا أنه قد كذب عليهم كثير وأدخلت على تفسيرهم أقوال لم يقولوها ولذلك وجد في تفاسيرهم كثير من الموضوع. فلا بد من التحذير من الأخذ والعمل بها باعتبار أنها من الموضوعات. وماثبت أنها ليست من قبيل الموضوعات فإنها تعد من أقوى التفاسير. وكان أشهر المفسرين من الصحابة علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود و أبي بن كعب.

وجاء من بعدهم التابعون فرووا كثيرا مما فسره الصحابة. وفسروا آيات القرآن إما اجتهادا منهم وإما سماعا. وذكر أيضا في بعض الأحيان أسباب نزول الآية. ومن أشهر هؤلاء التابعين مجاهد وعطاء بن رباح وعكرمة مولى ابن عباس و سعيد بن جبير. وقد اختلف العلماء في مقدار ثقة هؤلاء التابعين. ووردت أقوالهم أيضا في بعض كتب التفسير كتفسير الطبري.

ثم جاء من بعدهم العلماء فتوسعون في التفسير ونقلوا كثيرا من أخبار اليهود والنصارى. ثم تتابعوا من بعدهم المفسرون فيفسرون الآيات لاستنباط الأحكام ويفسرونها ليثبتوا بها آراءهم وما يميلون إليه من علم كلام و لغة وتشريع وبلاغة ونحو وصرف وغير ذلك. ويبدو من تفسير هؤلاء أي منذ عصر الصحابة وحتى يومنا هذا أن تفسير القرآن في كل عصره متأثرا بحركة العلمية فيه وصورة منعكسة لما في العصر من النظريات ومذاهب وآراء وقلما يخلو التفسير من التأثر بها. [3]

أما شكل هذه التفاسير فلم تؤلف من أول أمرها كعلم مستقل بنفسه. بل انتقل من حال إلى حال في العصور المختلفة. وكان التفسير جزءا من الحديث وبابا من أبوابه. وكان الحديث كما هو معلوم مادة تشتمل المعارف اﻹسلامية. ففيها الروايات المتعلقة بالفقه والسيرة والتفسير وغير ذلك. ففي القرن الثاني من الهجرة بدأوا يجمعون الأحاديث المتشابهة في موضوع واحد فيفصلونها عن غيرها. وقد نشأ تدوين هذه المعار ف الإسلامية في هذا القرن كالسيرة والفقه والتفسير. فأصبح علم التفسير علما مستقلا يدرس وحده كما كان علم النحو والحديث وأصول الفقه قد بدأ تدوينها من العصر الذي قبله. إلا أن علم التفسير وإن كان قد استقل وحده ولكنه لم يكن مدونا بشكل منظم كترتيب المصحف. فكان تفسير الآيات متفرقا هنا وهناك. 

وكان أول من تعرض لتفسير القرآن حسب ترتيب المصحف هو الفراء المتوفى سنة ٢٠٧ هجرية. وجاء من بعده المفسرون. إلا أن أوثق وأشهر ما اعتمد إليه العلماء هو تفسير ابن جرير الطبري المتوفى سنة ٣١٠ هجرية. فتتابع من بعده المفسرون الذين نهجوا وسلكوا في تفاسيرهم وجوها شتى. وكان اختلافهم في النهج بحسب فهمهم وماوصل إليه اجتهادهم. فمنهم من اهتم بمعاني القرآن وما اشتمل عليه من أنواع البلاغة ليعرف به علو كلام الله تعالى وإعجازه كتفسير الكشاف للزمخشري المتوفى سنة ٥٣٨ هجرية ومعاني القرآن للنحاس المتوفى سنة ٣٣٨ هجرية ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى المتوفى سنة ٢٠٩ هجرية. ومنهم من عني بالناحية الإعرابية وذكر فيها اختلاف النحويين ثم رجح أحد آرائهم. وذلك كتفسير البحر المحيط لأبي حيان المتوفى سنة ٧٤٥ هجرية وتفسير الدر المصون في علم كتاب المكنون للسمين الحلبي المتوفى سنة ٧٥٦ هجرية. ومنهم من اهتم ونظر في أصول العقائد ومحاجة المخالفين كتفسير مفاتيح الغيب للرازي المتوفى سنة ٦٠٦ هجرية و تفسير  غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين النيسابوري المتوفى سنة ٨٥٠ هجرية.

 ومنهم من نظر بالأحكام الشرعية فاهتم باستنباطها من الآيات وربما ذهب لتأييد مذهبه أوذكر اختلاف الفقهاء في وجه استدلال الآيات فرجح ما ذهب إليه مذهبه الفقهي ورجح أحيانا ما ذهب إليه غيره. وذلك مثل تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي المالكي المتوفى سنة ٦٧١ هجرية وتفسير أحكام القرآن لأبي بكر الرازي الحنفي المعروف بالجصاص المتوفى سنة ٩٨١ هجرية.

ومنهم من عني لتأييد مذهبه وتفسير الآيات لتأييد فرقته مثل تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي المتوفى سنة ٥٤٨ هجرية وتفسير التبيان في تفسير القرآن للطوسي المتوفى سنة ٦٧١ هجرية. وإنهما يؤيدان آراء الشيعة ومذهبهم في العقائد والأحكام.

ومن الأسف الشديد فهناك بعض التفاسير التي دونت على النهج الذي يخالف الشرع ولايطابق بما دلت عليه الآيات والهدف الذي نزل به القرآن. وذلك مثل التفاسير التي ذكرت فيها الإسرائيليات عندما فسر صاحبها القصص الواردة في القرآن كتفسير لباب التأويل في معاني التنزيل لعلاء الدين علي بن محمد البغدادي. ومنها ما نهج مؤلفوها المنهج العلمي أي تفسير الآيات بما تقتضيه التجربة والنظرية العلمية ففسروا الآيات لتناسب مع هذه العلوم مثل تفسير طنطاوي جوهري المسمى بالجواهر في تفسير القرآن الكريم. ومنها مادونت على نهج الباطني والإشاري كما فعله بعض أهل الصوفية. وفوق ذلك فقد ألف بعض التفاسير في عصرنا هذا لأجل تبرير أفكار الغرب وفيها جرأة لدين الله تعالى مثل تفسير محمد رشيد رضا المسمى بتفسير المنار. وقد ألف معظم هذه التفاسير في العصر الهابط وفي عصرنا هذا. فلا تعد هذه التفاسير ولا يوثق بها. فلا بد لمن أراد أن يقرأ كتب المفسرين للأخذ والعمل بما فيها أن يقدم بما اعتمد عليه العلماء من أمهات كتب التفسير كتفسير الطبري و القرطبي والنسفي و ابن كثير وغير ذلك. وأما قراءة التفاسير غير المعتمدة عليها فلا بد من الحذر ولا سيما لعوام الناس.  

فمن هنا نعرف بأن المؤلفات المتقدمة والحديثة في التفسير لا تكاد أن تحص وهي ثروة من الثروات الثقافية لهذه الأمة التي لا مثيل لها عند الأمم. وهذا يدل على احتياج الأمة اليوم إلى المفسرين الذين يخرجون معاني الآيات واستنبطوا الأحكام الشرعية منها لأجل معالجة مشاكل الحياة المتجددة. فلا بد لكل من تعرض لتفسير القرآن المعرفة والفهم بالعلوم والأدوات التي يحتاج إليها فيفسرون الآيات ويستنبطون الأحكام منها على طريقة صحيحة .

والله تعالى أعلم بالصواب

هدانا وإياكم أجمعين



[1] الطبري, أبي جعفر محمد بن جرير الطبري, جامع البيان عن تأويل آي القرآن المجلد الثامن, سورة المائدة, ص ٩٤, هجر للطباهة والنشر والتوزيع, القاهرة, ٢٠٠١ م

[2] الطبري, أبي جعفر محمد بن جرير الطبري, جامع البيان عن تأويل آي القرآن المجلد الثامن عشر ,سورة القصص, ص ٢٨٤, هجر للطباهة والنشر والتوزيع, القاهرة, ٢٠٠١ م

 

[3] تقي الدين النبهاني, الشخصية الإسلامية الجزء الأول, باب أسلوب المفسرين في التفسير, ص ٢٩١

 

Tidak ada komentar:

Posting Komentar