Pages

Senin, 28 Agustus 2023

تخيير الله تعالى أزواج النبي

إن الله تعالى قد جعل الدنيا وما فيها من زينتها ومتاعها ليمتحن عباده المؤمنين. فهي ليست مذمومة لذاتها ولكن لإاردتها. فقد عاتب الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وزجرهن بسبب إرادتهن من النبي الزيادة في النفقة وقيل أنهن طلبن منه شيئا من عرض الدنيا. وذلك في قوله تعالى: }يَأيُّهَا ٱلنَّبِىُّ  قُل لِأزْواجِكَ إن كُنتنَّ ترِدْنَ ٱْلحَيوةَ ٱلدُّنْيَا وزينَتهَا فَتعَاليْنَ أمَتِعْكُنَّ وَأسَرِحْكُنَّ سَراحًا جَمِيلًا وَإِن كُنتنَّ ترِدْنَ ٱللّه  وَرَسُولهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ  فَإِنَّ  ٱللَّه أعَدَّ للمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أجرا عَظِيمًا{.


ففي سبب نزول هذه الآية قيل أن أزواجه صلى الله عليه وسلم طلبن منه التوسعة والزيادة في النفقة ما ليس لديه. وفي الرواية فيما أخرجه الشيخان عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله قَالَ: دَخَلَ أبُو بَكْرٍ يَسْتأْذِنُ عَلى رَسُولِ الَّله صَلى اللُّه عَليْهِ وَسَلمَ فَوَجَدَ النَّاسَ جُلوسًا بِبَابِهِ لمْ يُؤْذَنْ لِأحَدٍ مِنْهُمْ قَالَ فَأذِنَ لِأبَي بكْرٍ فَدَخَلَ ثمَّ أقْبلَ عُمَرُ فَاسْتأْذَنَ فَأذِنَ لهُ فَوَجَدَ النَّبِيَّ صَلى اللُّه عَليْهِ وَسَلمَ جَالسًا حَولهُ نِسَاؤهُ وَاجِمًا سَاكِتا قَالَ فَقَالَ لَّأقُولنَّ  شَيْئًا أضْحِكُ النَّبِيَّ صَلى اللُّه عَليْهِ وَسَلمَ فَقَالَ  يَا رَسُولَ الله لوْ أريْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَألتْنِي النَّفقَةَ فَقُمْتُ إليْهَا فَوَجَأْتُ عُنقَهَا فَضَحِكَ رَسُولُ اللّه صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَالَ هُنَّ حَوْلِي كَمَا ترَى يَسْألنَنِي النَّفقَةَ فَقَامَ أبو بَكْرٍ  إلى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا فَقَامَ عُمَرُ إلى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا كِلَاهمَا يَقُولُ تسْألنَ رَسُولَ اللّه صَلى اللّه عَليْهِ وَسَلمَ مَا ليْسَ عِنْدَهُ فَقلنَ وَاللّه لَا نَسْألُ رَسُولَ اللّه صَلى اللّه عَليْهِ  وَسَلمَ شَيْئًا أبَدًا ليْسَ عِنْدَهُ ثمَّ اعْتزَلهُنَّ شَهْرا أوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثمَّ نَزَلتْ عَليْهِ هَذِهِ الآيَةُ {يَا أيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِّزْ وَاجِكَ} حَتى بلغَ {للمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أجْرا عَظِيمًا} قَالَ فَبَدَأَ بعَائِشَةَ  فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ إنِي أرِيدُ أنْ أعْرِضَ عَليْكِ أمْرا أحِبُّ أنْ لَا تعْجَلِي فِيهِ حَتى تسْتشِيري أبَوَيْكِ" قَالتْ: "وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللّه" فَتلَا عَليْهَا الآيَةَ قَالتْ: "أفِيكَ يَا رَسُولَ اللّه أسْتشِيرُ أبَوَيَّ بلْ أخْتارُ اللّه وَرَسُولهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ وَأسْألكَ أنْ لَا تخْبِرَ امْرأةً مِنْ نِسَائِكَ  بِالذِي قُلتُ" قَالَ: "لَاتسْألنِي امْرأةٌ مِنْهُنَّ  إلا أخْبَرْتهَا إنَّ اللّه لمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِتا ولَا مُتعَنِتا وَلكِنْ بَعَثنِي مُعَلمًا مُيَسِرا"

وأما مناسبة هذه الآية لما قبلها أن هذه السورة أي سورة الأحزاب تتكلم عن انتصار المسلمين في غزوة الأحزاب وسميت هذه الغزوة بها بسبب اجتماع الأحزاب وطوائف من المشركين فيها لمحاربة المسلمين، أو ما تسمى بغزوة الخندق. فقد فتح الله تعالى على هذا الانتصار الغنائم والنعم للرسول والمؤمنين. فقد نصح النبي صلى الله وسلم أصحابه عن خوفه بأن فتح الله تعالى لهم الدنيا فيهلكون كما تهلك من كان قبلهم. وفي هذه الْآية أمر الله تعالى نبيه أن يخير أزواجه بين الدنيا وزينتها فيطلقهن وبين الله ورسوله والدار الآخرة. وقد سميت هذه الآية عن المفسرين بآية التخيير.

وكما أن هذه السورة تتحدث عن فريق من المنافقين الذين يؤذون الله ورسوله بمكرهم وعدم خضوعهم بأمر الرسول ولَا سيما أن غزوة الأحزاب من أشد الغزوات التي يواجهه المؤمنون لشدة حالهم من الجوع والاضطراب. وكذلك فإن هذه الآية وما بعدها تأمر أزواج النبي على الطاعة والتقو ى وتنهى عن إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم لأن طلبهن على الزيادة في النفقة من قبيل إيذائه.

ففي قوله تعالى:  {يَأيُّهَا ٱلنَّبِىُّ  قُل لِأزواجِكَ إن كُنتنَّ ترِدْنَ ٱلحَيَوةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتعَاليْنَ أمَتِعْكُنَّ وَأسَرِحْكُنَّ سَراحًا جَمِيلًا} فالنداء هنا للتنبيه. والرسول كما قال الله تعالى في آية ٣٣ من هذه السورة أنه أسوة حسنة فإنه قدوة في امتثال أمر الله تعالى في أمر الطلاق حيث أنه سيعطي التمتع لأحد سيطلقها وقدم التمتع على السراح ليدل على حقيقة التخيير دون أي شائبة من الإك اره. وقوله {إن كُنتنَّ ترِدْنَ} لفظ إن يدل على الشك فيفيد أنه لا يناسب أن تقع هذه المطالبة من أزواج النبي لمقامهن ومنزلتهن.

ولفظ {وَزِينَتهَا} فأصل الزينة هي ما تخفي حقيقة الشيء وكذلك زينة الدنيا فإنها تخفي ما وارءها وما هي حقيقتها. ولفظ {فَتعَاليْنَ} من تعالى لينادى لمن أعلى منه وكثر استعماله لنداء  ما يتقرب إليه ولكن المراد في هذه الآية بمعنى أقبِل. وهذا النداء يدل على كمال التخيير. وقوله: {أسَرِحْكُنَّ سَراحًاجَمِيلًا} يدل على أن يكون السراح أي الطلاق بالمعروف من غير إضرار ولا منع من حق بل مع الزيادة لحقوقهن. ولم يذكر الله تعالى في هذه الْآية ما سيحصل منهن بسبب اختيارهن لو اخترن الدنيا بخلاف الْآية التي تليها فإنه ذكر الوعد لو اخترن الله ورسوله بقوله:  {فَإِنَّ ٱللَّه أعَدَّ للمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أجْرا عَظِيمًا} وذلك يدل على كمال التخيير لهن بدون أي تهديد وإكراه.

ثم قال جل شأنه بعد هذه الْية بقوله: {وإن كُنتنَّ ترِدْنَ ٱللَّه  وَرَسُولهُ  وَٱلدَّارَ  ٱلآخِرَ ةَ فَإِنَّ الله أعَدَّ للمُحْسِناَتِ مِنكُنَّ أجْرا عَظِيمًا} فقد عطف الله تعالى بينه ورسوله والدار الْآخرة بدون تكرار لفظ الإاردة ليفيد أنه لا فرق بين هذه الثلاثة وإرادة الرسول لَا تتم إلَا بإاردة الله تعالى. ونعم الْآخرة لَا تقدر بشيء من نعم الدنيا وما فيها جميعا. وقوله :{فَإِنَّ الله أعَدَّ للمُحْسِ نَاتِ مِنكُنَّ} جواب للشرط بذكر ما سيحصل لهن بإختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة. ففي هذه الآية أسلوب الإطناب والأصل أن يقول: فإن الله أعد لكن أجرا عظيما. ويفيد قوله بأن منزلة أزواج النبي تتفاوت بقدر أعمالهن وإحسانهن وطاعتهن. وقد أسند الله تعالى هذا الاعداد إلى نفسه للتعظيم. وتقديم المحسنات على أجر عظيم للتخصيص. وفي قوله: {أجْرا عَظِيمًا} ذكر بالتنكير ليفيد التعظيم والتنكير لأن ما أعد الله تعالى في الآخرة من الأجور والنعم لَا أحد يعرفها ويتصورها. وما وعد الله تعالى في هذه الآية من باب الترغيب والتبشير لهن ولم يتوعد في الآية التي قبلها لتحقيق كمال الحرية في الاختيار وعدم إكراه.

ثم قال عز وجل: {يَنِسَاءَ ٱلنَّبِي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفحِشَةٍ مُّبَينَةٍ يُضَعَفْ لهَا ٱْلعَذَابُ ضِعْفيْنِ ۚ  وَكَانَ  ذَلكَ عَلى الله يَسِيرا} ففيه أسلوب الالتفات بأنه تعالى قد خاطب الرسول في الآية السابقة. فهنا فإنه عز وجل خاطب أزواجه مباشرة. ولم يكن ندائه "يا أزواج النبي" ليدل على عنايته بحالهن وتوجيه له إليهن لإظهار الاعتناء بنصحهن. وسبب ذلك أنهن بعد أن اخترن الله ورسوله صرن أهلا لأن يخاطبن مباشرة وقيل لأنهن أهلا ليعطين أجرا عظيما ففيه دليل على تكريم الله تعالى لهن. وفي قوله: {مَن  يَأْتِ مِنكُنَّ بِفحِشَةٍ مُّبَيِنَةٍ} فإن الفاحشة إذا تنكِر فإنها تطلق على كل معصية وذنب ومنها عدم الطاعة للرسولوالشق عليه والمطالبة ما فوق طاقته. فإذا تعرِف فيكون المعنى كما قاله المفسرون أنها الزنا أو اللواط. ولايليق هذه الكبائر أن توقع في أزواج النبي. {مُّبَيِنَةٍ} إذا قرئ بكسر الياء فالمعنى أي يبين حال الإنسان المرتكب هذه الفاحشة والمعاصي وإن قرئ بفتحها أي فاحشة ظاهرة بينة. ثم قال: {يُضَعَفْ لهَا ٱْلعَذَابُ  ضِعْفيْنِ} أي أنه يعذبهن ضعفي عذاب غيرهن أي مثليه لأن الذنب منهن أقبح فإن زيادة الذنوب والأجور لزيادة عاملها. وزيادة الفضل تلتزم زيادة الطاعة والعمل لكونهن قدوة لسائر المؤمنات. ولم يسند الله تعالى هذا التعذيب له تعظيما بشأنه. ثم ختم الله تعالى في هذه الْية بقوله: {وَكَانَ  ذَلكَ عَلى ٱلله يَسِيرا} أي لَيمنعه كونهن أزواج النبي من التعذيب بل التضعيف، فكل ذلك يسير على الله جل شأنه. ففي سورة التحريم أن الله تعالى قد تكلم عن بعض أزواجه ليعظهن بما فعله للرسول ثم ختم هذه السورة بضربه على امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين صالحين ولم يكن ذلك ضمانا لهن لمنزلتهن لدخول الجنة لعدم إيمانهن وطاعتهن لزوجه. فهذا الضرب يكون نصحا لهن لألَا يكن مثلهن.

                  ثم قال الله تعالى: {وَمَن يَقْنتْ مِنكُنَّ للِّه وَرَسُولِهِ وَتعْمَلْ صَلحًا نُّؤْتِهَا أجْرَهَا مَرَّ تَيْنِ وَأعْتدْنَا لهَا رِزْقًا كَرِيمًا} هذه الْآية عطف لما قبلها بعد أن أنذر الله تعالى في تلك الْآية بضعفي العذاب على من عملت منهن شيئا من المعاصي تهويلا لهن ففي هذه الْآية وعد الله تعالى بمضاعفة الأجور إن دمن على الطاعة والتقوى. فإن القنوت هي الزيادة والدوام وطول المدة على الطاعة. وقال مرتين قال الإمام أبو سعود في تفسيره بأن مرة على الطاعة والتقوى وأخرى على طلبهن رضا رسول الله والقناعة وحسن المعاشرة. فإن لفظ المضاعفة في الأجور قد أطلقها الله تعالى عامة لسائر المؤمنين وذلك مثل قوله حين وعد على من ينفق أمواله في سبيل الله: {مَن ذَا ٱَّلذِى يقْرِضُ ٱلَّلَّ  قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَعِفهُ ۥلهُ أضْعَافًا كَثِيرَةً} وفي قوله لمن يعمل عملا من الحسنات: {وَإِن تكُ حَسَنَةً يضَعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لدُنْهُ أجْرا عَظِيمًا} أما لفظ مرتين ذكر الله تعالى لتخصيصه على نساء النبي. ففيها أسند الله تعالى إعداد الأجر والرزق الكريم لهتعظيما وتفخيما والتفت من المضارع إلى الماضي في الاعداد ليدل على تحققه. ثم نكر في قوله: {رِزْقًاكَرِيمًا} لأن التعريف يفيد العهدية أو الجنسية فلا يمكن في حقه لأن هذا الرزق الذي أعد الله تعالى هي الجنة التي لم يعرفها أحد وهي زيادة على أجرها المضاعف.

وهكذا عاتب الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تذكيرا لهن وتنبيها لشأنهن ومنزلتهن ومقامهن عند الرسول. فإنهن بعد نزول هذه الآية وخيرهن الرسول عليه الصلاة والسلام بين الدنيا والدار الآخرة ثم اخترن الله ورسوله والدار الْآخرة فقد استعدن أنفسهن ليعشن ويصاحبن الرسول لأجل الإسلام حمل رسالته مع ما فيها من المتاعب والمشقات والشدة والفقر. فلا عجب بأنهن خير النساء فصرن قدوة لسائر المؤمنات في سائر الزمان إلى أن تقوم الساعة. وهن أمهات المؤمنين كما قال عج وجل: {ٱلنَّبِىُّ أوْلى  بِٱْلمُؤْمِنِينَ  مِنْ أنفُسِهِمْ ۖ وَأزْ وَجُهُ ۥ أمَّ هَتهُمْ} جعل الله وإياكن ممن تعترف بقدر نساء النبي وتجعلهن قدوة في حياتها.

والله أعلم ورد العلم إليه أسلم


Find my Instagram

Tidak ada komentar:

Posting Komentar