Pages

Kamis, 14 September 2023

من علامات التقوى

كما علمنا أن من ثمرات الصيام و الحكمة من مشروعيته هو تحقيق التقوى في نفس المؤمن. فالتقوى هو خير الزاد للمسلم. كما قال الله تعالى في سورة البقرة : {وَتَزَوَّدُوا۟ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ ۚ وَٱتَّقُونِ يَٰأُو۟لِى ٱلْأَلْبَٰبِ} وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم علامات التقوى في سور مختلفة وفي آيات متعددة منها قوله تعالى : {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربِّكم وجنَّةٍ عرضُها السَّماوات والأرض أعدَّت للمتَّقين * الذين ينفِقُونَ في السَّرَّاء والضَّرَّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن النَّاس واللّه يُحبُّ المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذُّنوب إلاَّ اللّه ولـم يُصرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربِّهم وجنَّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجرُ العاملين}  {ال عمران 132-136}

              فقوله {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}  أي وأطيعوا الله أيها المؤمنون فيما نهاكم عنه من أكل الربا وغيره من الأشياء, وقال أهل التفسير : إن لعل و عسى من الله للتحقيق.. ما لا يخفى على العارف من دقة مسلك التقوى وصعوبة إصابة رضا الله تعالى وعزة التوصل إلى رحمته وثوابه كذا قاله الإمام النسفي في تفسيره.

              وقوله: {وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربِّكم} وأصل المسارعة هي المبادرة والمعنى سارعوا وبادروا ما يوجب المغفرة. وفيها قراءتان. قرأ نافع و ابن عامر بالواو فيكون عطف جملة على جملة والباقون بدونها لأن الجملة الثانية ملتبسة بالأولى مستغنية بذلك عن العطف بالواو.

              وقوله: {وجنَّةٍ عرضُها السَّماوات والأرض أعدَّت للمتَّقين} حذفت فيها أداة التشبيه أي : مثل عرض السماوات والأرض. ويدل بقوله تعالى في سورة الحديد : { سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} و الجملة مي محل جر صفة لجنة. ووصفها بالسعة والبسط فشبهت بأوسع ما علمه الناس من خلقه وبسطه. وقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له : هذه الجنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ فقال : هذا النها إذا جاء أين الليل؟"

              قوله : {أعدَّت للمتَّقين} وفي لفظ {أعدت} إعربان : قيل أنه في محل جر صفة ثانية لجنة أي جنة واسعة معدة وقيل أنه في محل نصب لأنه حال للجنة. وقوله : {الذين ينفِقُونَ في السَّرَّاء والضَّرَّاء} أي في حال اليسر والعسر أو في حال الرخاء أو الشدة. وقيل أنها في محل جر صفة أو نعت للمتقين الذين أعدت لهم الجنة. وقيل أنها في محل رفع مبتدأ على القطع المشعر بالمدح.

وقوله : {والكاظمين الغيظ} وأصل الكظم هو الحبس والمكظوم هو الممتلئ غيظا. و الغيظ : أصل الغضب وهو توقد حرارة القلب من الغضب. فلفظ كظم الغيظ هو أن يمسك على ما في نفسه من الصبر ولا يظهر له أثرا. وفي الحديث ما أخرجه أبو داود وغيره في سننه عن سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ"

              وقوله: {والعافين عن النَّاس} أي الصاحفين عن الناس عقوبة ذنوبهم إليهم وهم على الانتقام منهم قادرون فتاركينها لهم. وقوله : {واللّه يُحبُّ المحسنين} فاللام في كلمة {المحسنين} قيل أنها للجنس فيتناول كل حسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورين. وقيل أنها للعهد فيكون إشارة إلى هؤلاء. قال الإمام القرطبي فالمعنى أن الله يصيبهم على إحسانهم.

              وقوله: {والذين إذا فعلوا فاحشةً} ذكر الله تعالى هذ الصنف دون الصنف ال,ل لرحمته ومنه ههؤلاء التوابون. وأصل الفاحشة : القبح والخروج عن الحد المقدار في كل شيئ. ولذلك قيل للطول المفرط الطول : إنه لفاحش الطول ويراد به قبيح الطول. والفاحشة بمعنى فعلة متزايدة في القبح, و قيل أنها تطلق على كل معصية وقيل أن المراد هي الكبائر من المعاصي وقد كثر اختصاصها بالزنا. وقوله : {أو ظلموا أنفسهم} أي دون الكبائر أو من الصغائر. والجملة {والذين إذا فعلوا فاحشةً} أنها مبتدأ و الآية التي بعدها في قوله {آلئك} خبر وقيل أن الجملة معطوفا على الموصول قبله وتكون الجملة من قوله : {واللّه يُحبُّ المحسنين} جملة متعارضة بين المتعاطفين.

وقوله: {ذكروا اللّه}أي بلسانهم أوبقلوبهم ليبحثهم على التوبة وقيل بالخوف من عقابه والحياء منه. وقوله : {فاستغفروا لذنوبهم} أي فسألوا ربهم أن يستر عليهم ذنوبهم وقيل أنهم تابوا عنها لقبحها نادمين عنها. وقوله {إذا فعلوا} شرط وجوابه : {ذكروا اللّه} وقوله : {فاستغفروا} عطف على الجواب. والجملة الشرطية وجوابها صلة الموصول والمفعول الأول لاستغفر محذوف أي استغفروا الله لذنوبهم.

وقوله: {ومن يغفر الذُّنوب إلاَّ اللّه} أي ليس أحد يغفر المعصة ولا يزيل عقوبتها إلا الله. و من استفهام بمعنى النفي ولذلك وقع بعده الاستثناء. و {من} مبتدأ و{يغفر} خبره وفيه ضمير يعود إلى {من} و {إلا الله} بدل من الضمير في {يغفر}. والتقدير: "ولا أحد يغفر الذنوب إلا الله" وهذه جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه وفيه تطييب لنفوس العباد وتنشيط للتوبة وبعث عليها وإشعار بأن الذنوب وإن كثرت وجلت فإن عفوه أجل وكرمه أعظم. وورد في الحديث ما أخرجه ابن ماجه والنسائي عن علي بن أبي طالب قال : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه سلم حديثا نفعني الله بما شاء منه وإذا حدثني غيره استحلفته فإذا حلف لي صدقته وحدثني أبو بكر أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه سلم :"ما من رجل يذنب ذنبا ثم يتوضأ ثم يصلي ويستغفر الله إلا غفر له".

وقوله: {ولـم يُصرُّوا على ما فعلوا} أي لم يثبتوا ويعزموا على ما فعلوا. وأصل الإصرار هو العزم بالقلب وترك الإقلاع عنه وقيل أصله الإقامة على الذنب عامدا وترك التوبة منه. وفي الحديث ما أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه سلم : "ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة". وقوله : {وهم يعلمون} وهم يعلمون أن الذي أتوا معصية الله.

وقوله : {أولئك جزاؤهم} هم موصوفون جزاءهم أي ثوابهم من أعمالهم التي وصفهم الله تعالى ذكره أنهم عملوها. قوله : {مغفرةٌ من ربِّهم} أي عفو لهم من الله من عقوبنتهم على ما سلف من ذنوبهم ولهم ما أطاعوا الله فيه من أعمالهم. وقوله : {وجنَّاتٌ تجري من تحتها الأنها} تجري خلال أشجارها الأنهار و في أسافلها جزاء لهم على صالح أعمالهم. وقوله : {خالدين فيها} دائمي المقام في هذه الجنات التي وصفها. وقوله : {ونعم أجرُ العاملين} أي نعم جزاء العالمين لله الجنات التي وصفها.

فمن خلال تدبر هذه الآيات فعلى كل مؤمن أن يجاهد نفسه لتحقيق التقوى في نفسه حتى كتب الله تعالى من المتقين ونال رضاه ومحبته وجنته في الدار الآخرة. قال الله تعالى في كتابه الكريم : {فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ}. فأي محبة أعظم وأهم على المؤمن من محبته. وآخيرا نذكركم أيها الإخوة عن قول علي بن أبي طالب حين عرف التقوى بأنها الخوف بالجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل. فهل تحققت هذه العلامات فينا بعد خروجنا من شهر رمضان المبارك؟ فهل حصلنا على حكمة و ثمرات مشروعية صيام نهارها وقيام ليالها؟

واالله تعالى أعلى وأعلم

Tidak ada komentar:

Posting Komentar