Pages

Senin, 04 September 2023

فرضية بر الوالدين

فإن من الأمور التي قد نسيها كثير منا هي فرضية بر الوالدين. وإن كان  قد عرفنا وحفظنا الأدلة التي تدل على هذا الأمر. فلذلك علينا أن أن نتدبر قوله تعالى من خلال كتب أئمتنا المفسرين لكي نفهم هذا الأمر الجليل و نطبقهه في حياتنا. ومن تلك الأدلة قول الله تعالى في سورة الإسراء : وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا

        وقد استدل كثير من العلماء بهذه اﻵ ية على وجوب بر الوالدين والإحسان إليهما. فلفظ {قضىى} بمعنى أوجب وألزم وأمر و قيل أنه بمعنى حكم أو  وقيل أوحى.  فقد أمر الله تعالى في هذه الآية بعبادته وتوحيده وعدم الإشراك به. ولفظ "أن" في قوله "ألا" يجوز أن تكون مفسرة لأن ما بعدها تكون لا ناهية, ويجوز أيضا أن تكون الناصبة ولا زائدة. فالتقدير : ألزم ربك عبادته.

وقوله: {وبالوالدين إحسانا} قيل أن الباء متعلقة ب{قضى} و يجوز أن تكون الباء متعلقة ب {إحسانا} على أنه مصدر واقع موقع فعل الأمر , فالتقدير : وأحسنوا بالوالدين إحسانا ويجوز كذلك أن تكون متعلقة بفعل محذوف فيكون التقدير : وأوصى بالوالدين إحسانا.

        فإن بر الوالدين والإحسان إليهما من أعظم الأمور ووأفضل الواجبات وأحب العمل إلى الله تعالى بعد أداء فريضة الصلاة. فقد ورد في صحيح البخاري أن عَبْدَ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَسَكَت". فثبت لنا أن هذا الأمر يكون من قبيل الإيجاب ولا يكون عقوق الوالدين إلا من قبيل المحرمات بل من أكبر الكبائر. وبرهما والإحسان إليهما يكون بطاعتهما ما لم يكن ذلك الأمر في معصية. وإن كان المأمور من قبيلهما أو من أحدهما  في الأمر المباح فوجبت على الولد طاعته فمن باب الأولى إذا كان الأمر المأمور من قبيل المندوب والوجوب فلا سبيل على الولد إلا الطاعة والخضوع إليهما أو أحدهما. ويزيده تأكيدا في الطاعة. والله أعلم.

        وقوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُف} فقد أوصى الله  تعالى بهما وبخاصة إذا كبرا أو كبر أحدهما, وإنما خص حالة الكبر لأنهما حينئذ أحوج إلى البر والقيام بحقوقهما لضعفهما. وقوله {عندك} أي في كنفك وكفالتك وقوله {ا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُف} أي لا تقل لهما ما يكون أدنى تبرم و"أف" اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر. إذا فلا تسمعهما قولا سيئا حتى ولو بكلمة التأفف. فهذا نفهمه من منطوق النص. وأما من مفهوم النص فإن النهي بألا نقول للوالدين بأقل كلمة تظهر الضجر يدل مما هو أولى كالقول بما أسوأ منها وكذلك العقوق بالضرب أو الشتم أو عدم قيام بحقوقهما وغيرها من أنواع العقوق مما هو أكبر قدرا عند الله تعالى. والعياذ بالله.

     وقوله تعالى: {ولا تنهر هما} فالنهر بمعنى الزجر بصياح وغلظة فيكون المعنى: لا تزجرهما. وقوله: {وقل لهما قولا كريما} أي قل لهما قولا حسنا لينا طيبا بأدب ووقار وأدب

    ثم قال بعدها : {وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا} فإن في قوله {واخفض لهما جناح الذل} فيه استعارة بليغة وقيل وذلك أن الطائر إذا أراد الطيران نشر جناحيه ورفعهما ليرتفع, وإذا أراد ترك الطيران خفض جناحيه فجعل خفض الجناح كناية عن التواضع واللين. والمعنى عند الإمام الزمخشري وجهان: أحدهما: "واخفض لهما"  والثاني أن يكون المعنى: "أن تجعل لذله -بالضم- أو لذله -بالكسر-  جناحا خفيضا"  فمعنى استعارة في هذه الآية الشفقة والرحمة بهما والتذلل لهما تذلل الرعية للأمير والعبيد للسيد. وقوله {من الرحمة} ويجوز أن يكون "من" لبيان الجنس أي بأن هذا الخفض يكون من الرحمة المستكمنة في النفس. ويجوز أن يكون للتعليل فتتعلق ب"اخفض" أي اخفض من أجل الرحمة.

        وقوله :{وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا} أي ادع لهما بالرحمة فقل في دعائك يا رب ارحم والدي برحمتك الواسعة كما أحسنا إلي في تربيتهما حالة الصغر. والكاف في قوله "كما": يجوز أن تكون نعت لمصدر محذوف فالتقدير: ارحمهما رحمة مثل تربيتهما لي.  فهذا القول كأن جعل التربيىة رحمة. ويجوز أيضا أن تكون للتعليل أي: ارحمهما لأجل تربيتهما.

وقال الإمام القرطبي في تفسيره: خص الله تعالى التربية بالذكر ليتذكر العبد شفقة الأـبوين وتعبهما في التربية فيزيده ذلك إشفاقا لهما وحنانا عليهما وهذا كله في الأبوين المؤمنين. فأما غير المؤمن فقد نهى القرآن عن الاستغفار للمشركين الأموات ولو كانوا أولي قربى.

والله تعالى أعلى وأعلم بالصواب

Tidak ada komentar:

Posting Komentar