Pages

Rabu, 23 Agustus 2023

النكت في أسلوب الالتفات في مواضع الآيات

المقدمة

هناك بعض الأساليب التي استخدمها المرء حين يخاطب الآخر سواء في التحدث مباشرة أم بواسطة الكتابة أم الرسالة. فليس من الغريب في حياتنا أن يستخدم المرء بعض الأساليب عندما يعبر عن غضبه أو تلطفه أو حزنه أو فرحه أو غير ذلك من العبارات المتنوعة. فعلى سبيل المثال حين تغضب الأم على ولده العائق وتسخطه لأنه لم يعط حقوقها ولا يحسن إليها. فقالت له لتنصحه: "يا بني قد صبرت بكل هذه المصائب وقد نصحت لك مرات. يا ولدي أفلا تتذكر بأن أمك التي أنجبك بين الحياة والممات ورضتعك ثم حضنتك عدة سنوات وتربيك تربية حسنة وتدعوك لك كل الخير طول الحياة!! أوليست عقوق الوالدين من أكبر الكبائر" فقد انتقلت الأم في كلامه هذا من لفظ التكلم في قولها: "قد صبرت" إلى الغيبة بقولها: "بأن أمك التي.. إلى أخره" بدلا من أن تقول: "أنني أنجبتك ورضعتك.. إلى آخره" بضمير المتكلم. وهذا الأسلوب في الكلام يؤدي إلى غرض معين وهو لأجل التلطف والتنبيه والتذكير والتقرير على أمر عظيم. 

وهناك أيضا أسلوب بليغ لتربية الأولاد كما فعله حبيبنا عليه الصلاة والسلام في بعض الحالات أنه يدعو بعض صحابته الصغار كما كان يدعو لابن عباس وهو بين يديه فقال: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ". من هذا فلا بأس بل من المهم على الوالدين أن يدعوا لأبنائهما أمامهما حتى ولو كان عند الغضب بسبب ما فعله الأولاد من الأخطاء والزلات. فمثلا تقول الأم لولده: "لم فعلت كذا وكذا يا ولد؟" فسكت الولد كأنه لم يسمع شيئا ولم يرد النصيحة. فتقول الأم: "اللهم اجعل ولدي من العلماء العاملين واجعله من أئمة المتقين يا رب يا مجيب السائلين.." فهذه الكلمات من الدعاء التي تعبر بأسلوب الانتقال من ذكر لفظ المخاطب في قولها: "لما فعلت كذا؟" إلى لفظ الغيبة في قولها: "ولدي" سيكون هذا الأسلوب من الكلام له أثر كبير في نفس الولد وقلبه بدلا من أن تغضب الأم بكلمات متطاولة وأصوات مرتفعة بحيث أن هذا الدعاء سيعرف هذا الولد بما تميله أمه وترغب فيه لمستقبله.

وهذا الأسلوب في الكلام والخطاب قد ورد كثيرا في القرآن الكريم في مواضع مختلفة لأغراض وفوائد متعددة.

الالتفات

تعريف الالتفات وفائدته العامة

هو نقل الكلام من أسلوب إلى آخر أي من التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى آخر منها بعد التعبير الأول ([1]) .ومن فائدته العامة فهي تطرية الكلام ورفع السآمة والملال من الاستمرار في منوال واحد. وهناك فوائد خاصة لكل نوع من أنواع الالتفات سنذكرها إن شاء الله مع ذكر بعض الأمثلة لكل منها.

أنواع الالتفات وأمثلتها

١- من التكلم إلى الخطاب نحو قوله تعالى في سورة يس: {وَمَا لِىَ لَآ أَعْبُدُ ٱلَّذِى فَطَرَنِى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فأصل الكلام: (وإليه أرجع) فالتفت من التكلم إلى الخطاب كأنه أخرج الكلام من معرض إنصاحه لنفسه وهو يريد نصح قومه تلطفا وإعلاما بأنه يريد لهم ما يريد لنفسه. فتكون عندهم أهمية بالنسبة له وعنده -كذلك- فضل عناية لهم, ثم التفت إليهم لكونه في مقام تخويفهم ودعوتهم إلى الله تعالى.

٢- من التكلم إلى الغيبة نحو قوله تعالى في أول سورة الفتح: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} والأصل (لنغفر لك) ليبدي في الغيبة ما لا يبديه في الحضور فكأنه تعالى أتى بلفظ الغيبة في قوله: {لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ} ليدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرتكب أي معصية ولا ذنب. وكذلك نحو قوله جل شأنه في سورة الأعراف: {فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ} والأصل (بي) قال السيوطي: فعدل عنه لنكتتين إحداهما: دفع التهمة عن نفسه بالعصبية لها والأخرى تنبيههم على استحقاقه الاتباع بما اتصف به من الصفات المذكورة والخصائص المتلوة.([2])


٣- من الغيبة إلى التكلم نحو قوله عز وجل في ابتداء سورة اﻹسراء: {سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ} بل كانت هذه الآية تدل على أكثر من نوع بحيث إنه التفت من الغيبة في قوله: {سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ} إلى التكلم: {بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُ} ثم التفت ثانيا إلى الغيبة فقال: {إِنَّهُۥ هُوَ} قال الزمخشري: وفائدته من هذه الآيات وأمثالها التنبيه على التخصيص بالقدرة وأنه لايدخل تحت قدرة أحد.

٤- من الغيبة إلى الخطاب كما ورد في سورة الفاتحة من أولها أي من البسملة ثم قوله: {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم} حتى {مَٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّين} هذه الآيات وردت لذكر صفات الله تعالى والثناء عليه على لفظ الغيبة فكأن هذا الثناء في ذكر صفاته ليبعث شدة الإقبال وأنه تعالى هو الذي يملك الأمر كله في يوم الجزاء. فيكون له فضل التخصيص للخضوع عليه والاستعانة له في كل الأمور. ثم ورد بعد ذلك على لفظ الخطاب فقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لينسب إلى العظيم حال المخاطبة والمواجهة ما هو أعلى الرتبة وذلك على طريقة التأدب.

٥- ومن الخطاب إلى الغيبة كذلك ورد في سورة الفاتحة في قوله تعالى: {صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ففيه تصريح بذكر المنعم وإسناد المنعم إليه لفظا ولم يقل: (صراط المنعم عليهم) لينبه على المؤمنين بأن يستندوا كل الفضل والخير إلى الله تعالى. فلما صار إلى ذكر الغضب ينسبه إليه لفظا فجاء باللفظ منحرفا عن ذكر الغاضب فلم يقل (غير الذين غضبت عليهم) تفاديا عن نسبة الغضب إليه في اللفظ حال المواجهة.

فهذه بعض الأمثلة التي وردت في القرآن الكريم بأسلوب الالتفات التي دلت لنا على علو كلامه في أدب الكلام والخطاب. وعرفنا على أن هذا الأسلوب له فوائد وأغراض التي تؤدي إلى المعاني المقصودة من الكلام.

والله تعالى أعلم بالصواب.


 ([1]) السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، النوع الثامن والخمسون في بدائع القرآن ٥٣٠، ابن حزم ٢٠١٥ م
 
([2]) السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، النوع الثامن والخمسون في بدائع القرآن ٥٣١، ابن حزم ٢٠١٥ م

 

Tidak ada komentar:

Posting Komentar