Pages

Minggu, 27 Agustus 2023

بين معنى القوامة والمرأة الصالحة

المقدمة

        فإن ما يضمن سعادة حياة المؤمن هو نيل رضوان الله تعالى. فلا يستطاع نيله إلا بالقيام بما أمره الله تعالى واجتناب ما نهى عنه. والقيام بهذه الأوامر والاجتناب عن النواهي تحتم على الفهم والإدراك. وقد تنظم هذه الأوامر والنواهي علاقات المؤمن بربه وعلاقاته بنفسه وعلاقاته بغيره من بني الإنسان. وهذا الفهم سيغير سلوكه في حياته فلن يهمل على الأوامر -سواء كانت  على سبيل الفرض أم على سبيل الندب- ولن يضيع حقوق ربه وحقوق نفسه وكذلك حقوق غيره في جميع معاملاته. وقد تكلف الله تعالى الواجبات على عباده حسب طاقته وطباعه لأنه عز وجل لطيف خبير وعليم بحقيقة مخلوقاته. قال تعالى : {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ})[1](

تحليل الآية: في معنى القوامة والمرأة الصالحة

فإنه تعالى قد كلف على كل من الرجال والنساء عدة الواجبات نحو الآخر تتناسب مع طباعهم واستطاعتهم. فمن هذه الواجبات ما تتعلق وتنظم العلاقة الزوجية. وذلك مثل قوله عز وجل: {ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنفَقُوا۟ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ ۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ} قد بين الله تعالى لنا في هذه الآية معنى قوامة الرجال على النساء وكذلك العلامتين اللتين بهما أصبحت النساء أي الزوجات صالحات.

فقوله تعالى :{ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ} فالقوام من صيغة الفعال للمبالغة من القيام بالشيء. فقد قال عليه الصلاة والسلام فيما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" فقد مثل عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث مكانة ومسؤولية الرجل على أهله -وفيهم الأولاد والأزواج- كمسؤولية الراعي -أي من يرعى الماشية- على رعيته من القيام لحفظها ورعايتها وإطعامها وسقيها وحرسها من أنواع المرض والأضرار التي توقعها في التهلكة وغير ذلك من أنواع الرعاية.

وقد أمرهم الله تعالى أن يؤدبوا أهلهم وأولادهم لأن في تأديبهم الوقاية من النار ويدل على ذلك قوله تعالى في سورة التحريم: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ قُوٓا۟ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارً} أي علموهم وفهموهم شرائع الإسلام وأدبوهم محاسن الأخلاق.[2]

وأمرهم الله تعالى كذلك بأن يعاشروا أزواجهم بالمعروف وإن كرهوا على بعض ما فيهن فقال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُوا۟ شَيْـًٔا وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} وقد أوصاهم الرسول عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع فيما أخرجه الترمذي: "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ" والعوان جمع من عانية وإنما قيل للمرأة أنها عانية لأنها محبوسة كالأسير عند الزوج وقد تمنع من الخروج إلا بإذنه. وفي حديث آخر أخرجه أبو داود أنه عليه الصلاة والسلام قال: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ"  فإن ظهرت منهن علامة النشوز فعلى الزوج وعظهن أو تأديبهن بالهجر أو الضرب.

ثم قال تعالى: {بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} أي أنه عز وجل قد جعل لهم القوامة لتفضيل الله تعالى إياههم عليهن بكمال الصلاة والصيام والقوة والغزو والنبوة والخلافة والإمامة والأذان والخطبة والجماعة والجمعة والجهاد وولاية النكاح والطلاق وتعدد الأزواج والشهادة في القصص والحدود وإليهم الانتساب وغير ذلك مما يخص الله تعالى على الرجال دون النساء.

ثم قال تعالى: {وَبِمَآ أَنفَقُوا۟ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ} فالجملة عطف لما قبلها أي أن القوامة تكون بسبب تفضيل الله إياهم وإنفاقهم على أزواجهم. وفيه دليل على وجوب النفقة على الرجال. وقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام عن فضل من أنفق على أهله. منه ما أخرجه البخاري عن أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ". وفي رواية أخرى أخرجه البخاري كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وَلَسْتَ تنفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا آجَرَكَ اللَّهُ بِهَا حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ". وما أخرجه مسلم في رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ". وفي الحديث ما أخرجه الترمذي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ"

ثم بين الله تعالى بعد ذلك علامتي المرأة الصالحة بقوله: {فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ} فٱلصَّٰلِحَٰتُ مبتدأ مرفوع وخبره جملة اسمية: قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ للغيب. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ" فكأن المرأة الصالحة بمنزلة خير متاع الدنيا وأفضلها. فبينت هذه الآية أن من علامات صلاح المرأة أن كون قانتة أي مطيعة لله تعالى ولزوجها في المعروف. فتبين فيها الأمر على النساء بطاعة الزوج والقيام بحقوقه. وفي الحديث عن أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ". وعن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ". فلا بد على النساء أن تهتمن بحقوق أزواجهن. وفي الحديث ما أخرجه الترمذي: "إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ"

وقوله تعالى: {حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ} أي حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن عنهن في فروجهن وأموالهم وللواجب عليهن من حق الله تعالى وغيره. )[3]( و في الحديث عن عبد الرحمن بن عوف فيما أخرجه أحمد: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ" 

ثم قال تعالى: {بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ} ففيه قراءتان بالرفع  -وهو عند جمهور القراء- وبالنصب -وهو عند أبي جعفر-. فإن قرئ مرفوعا فيكون المعنى: حافظات لغيب أزواجهن بحفظ الله تعالى ومعونته وتسديده. وبالنصب بحفظهن أمره ودينه.)[4](

الخاتمة

وهكذا بين الله تعالى في هذه الآية معنى القوامة للرجال وكيف أصبحت المرأة صالحة. وقد عرفنا من هذه الآية ما أوجب الله عز وجل على الرجل نحو امرأته من النفقة والمهر والتأديب والرعاية. وكذلك ما أوجب الله سبحانه وتعالى على المرأة نحو زوجها من الطاعة وحفظ نفسها وأمواله عند غيبته. فلابد على كل واحد منهما فهم ما أوجب الله تعالى عليه وما هي حقوق غيره التي يجب عليه أن يرعاها.

فليست هذه الواجبات على الرجال سبيلا وفرصة لهم للاستبداد على النساء واسترقاقهن وإنما هي الأمانة والمسؤولية منه عز وجل التي سيحاسبهم عليها. وكذلك أن الواجبات التي كلف الله تعالى على النساء فليست من قبيل احتقارهن وإهانتهن وإنما هي تشريف وتعظيم بشأنهن. لأن الأصل في المرأة أم وربة البيت وهي عرض يجب أن يصان.

فرضوان الله تعالى هو غاية الغاية عند المؤمن. ولا يكون تحقيق هذه الغاية إلا بأداء كل ما أوجبه الله تعالى عليه. ففيه الأجر والثواب والطمأنينة والسعادة.

والله تعالى أعلى وأعلم


(١) الملك: ١٤

(٢) النووي البنتني، شرح عقود اللجين في بيان حقوق الزوجين، محمد بن عمر بن علي النووي البنتني الجاوي، الفصل الأول في بيان حقوق الزوجة الواجبة على الزوج، ص ١٣

(٣) الطبري، أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، المجلد السادس، سورة النساء، ص ٦٩٢، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ٢٠٠١ م

) القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر، الجامع لأحكام القرآن، الجزء السادس، ص ٢٨٢، دمشق الحجاز، الرسالة العالمية، ٢٠١٢ م

find my instagram

Tidak ada komentar:

Posting Komentar