فإن من جراء انهيار الحضارة الإسلامية بل منذ أن بدأ انحلال
الدولة الإسلامية ظهرت الحركات التي تدعو إلى الحرية. ولا شك أنها نشأت من وجود الحركة
العلمانية التي نشرها الغربيون لأجل إبعاد نظام الإسلام من حياة المسلمين. ومن هذه
الحركات هي حركة تحرير المرأة التي يدعي أصحابها أن الإسلام قد اهتضم حقوق المرأة
و انتقص بشأنها. وأنه لا يعدل بين حقوق الرجل والمرأة.
إن الرجوع إلى القرآن يكفينا لمعرفة مدى اهتمام الإسلام بشأنها
اهتماما بالغا. فإني أقدم للقارئ بعض الموضوعات التي تعرض لها القرآن بدون استيعاب
كل ما جاء به القرآن متعلقا بشأن المرأة.
أولا- فإن الله تعالى لا يفضل بين الرجل والمرأة إلا بالتقوى
والعمل الصالح. فلكل واحد منهما سيستحق الأجر والعقاب على حسب أعمالهما سواء كانت
حسنة أم سيئة. فالمرأة ذات مسؤولية مستقلة فيما يتعلق بشؤونها كما كان الرجل.
ويستدل على ذلك قول الله تعالى : {فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لَآ
أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّنۢ
بَعْضٍ} فإن ما ورد في سبب نزول هذه الآية أن أم سلمة قالت : يا رسول الله لا أسمع
الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله هذه الآية .[1] فهذا
السبب الذي نزلت الآية لأجله يدلنا على أن المرأة منذ عهد الرسول صلى الله عليه
وسلم تشعر بأن لها حقا كالرجل فإنها تنظر إلى الرجل أنه كشريك لها في الحياة.
فلذلك من هذه الرواية وغيرها قد طرحت بعض
نساء المؤمنين السؤال إلى الرسول رغبة في الأجر والثواب كما أعطاه الرجال. وقال
الله تعالى في سورة النساء : {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ
أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُو۟لَٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ
نَقِيرًا} وقال عز وجل في سورة الحجرات : {يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا
خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ
لِتَعَارَفُوٓا۟ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
ثانيا- في مجال التعلم. فإن الإسلام قد أعطى للمرأة حقا مساويا للرجل
في هذا المجال. فقد دلت عليها النصوص الكثيرة بصيغة العموم التي أمرت كلا منهما
التعلم وطلب العلم. منها قوله تعالى : {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا
قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا۟ فِى ٱلْمَجَٰلِسِ فَٱفْسَحُوا۟ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ
ۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُوا۟ فَٱنشُزُوا۟ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟
مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ دَرَجَٰتٍ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِير} و قوله عز وجل في سورة التحريم : {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟
قُوٓا۟ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} وقد فسره ابن عباس : "أي علموا
أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم". والمراد من الأهل الزوجة والأولاد ذكورا كان
أم إناثا. وهكذا قد أمر الله تعالى الرجل بكونه زوجا وأبا لأولاده أن يعلموا
زوجاتهم وأولادهم هذا الدين ويؤدبوهم. فإن عجز الرجل عن ذلك فلا يجوز عليه أن يمنعهن
من الخروج مثلا لأجل التفقه في دينهن على حد ما أباحه الشرع.
وكانت
النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة حرصهن ورغبتهن في العلم والتفقه
في الدين فإنهن طلبن من الرسول يوما خاصا لتعليمهن الإسلام. كما وردت في الرواية
الصحيحة أخرجها البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَتْ النِّسَاءُ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ
فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ
فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ". وفي رواية أخرى : "جَاءَتْ امْرَأَةٌ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا
نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ فَقَالَ اجْتَمِعْنَ فِي
يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا فَاجْتَمَعْنَ فَأَتَاهُنَّ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا
عَلَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ بَيْنَ
يَدَيْهَا مِنْ وَلَدِهَا ثَلَاثَةً إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنْ النَّارِ
فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ اثْنَيْنِ قَالَ
فَأَعَادَتْهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ
وَاثْنَيْنِ"
وكانت نساء الأنصار أفضل النساء لرغبتهن بالعلم فلا يمنعهن
الحياء كما قالت عائشة رضي الله عنها : " نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ
الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي
الدِّينِ"[2].
فإن الحياء هو من طبيعة صفة النساء فإنه لا يكون مانعا وحاجزا بأن يتفقهن في
الدين. وقال الإمام مجاهد : "لا يتعلم العلم مستحي ومستكبر". فلا يقتصر
الأمر بالتفقه في الدين على الرجال فحسب. لأن المرأة لابد لها من فهم و فقه بدينها
حتى تتقيد جميع أعمالها بالأحكام الشرعية. فلها دور كبير في بناء الأمة والحضارة
لأن الأصل في المرأة الأم وربة البيت وهي التي تقوم بتربية الأبناء أجيال المستقبل
وأمل اﻷمة.
فلا يمنع الإسلام المرأة لأن تتعلم العلوم الدنيوية لأجل نفع
هذه الأمة وعزتها. فكانت النساء في عهد رسو الله صلى الله عليه وسلم يخرجن مع
الغزاة في سبيل الله. فقد أخرج البخاري في صحيحه عدة الروايات في كتاب الجهاد
والسير في باب رد النساء الجرحى والقتلى إلى المدينة وكذلك في كتاب الطب في باب هل
يداوي الرجل المرأة والمرأة الرجل. ومن هذه الروايات مارواها خالد بن ذكوان عن
الربيع بنت معوذ قالت : "كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَسْقِي الْقَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ وَنَرُدُّ الْجَرْحَى
وَالْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ". وفي رواية أخرى أخرجها مسلم عن أُمِّ
عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ
:"غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ فَأَصْنَعُ لَهُمْ الطَّعَامَ
وَأُدَاوِي الْجَرْحَى وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى". من هذه الأحاديث نعرف
أنه يجوز للمرأة أن تتعلم العلوم الدنيوية كالطب والتمريض الذي به تستطيع المرأة
أن تقوم ما فيه من نصر وعزة على الإسلام والمسلمين ولا سيما إذا كانت لأمر الجهاد في
سبيل الله الذي هو خير الأعمال وهو ذروة سنام الإسلام.
ثالثا- في حق التملك والتصرف بمالها. فمن احترام الإسلام بحق
المرأة هو إعطاءها الملكية التامة والحرية في تصرفها. ويدل على ذلك بأن للمرأة حقا
لقبول الصداق من زوجها. فيكون هذا الصداق حقا خاصا لها بعد أن يدفعه زوجها. فلها
أن تتصرف بما تشاء على حد ما أباحه الشرع. فلا يجوز للزوج أن يطلب شيئا منها مما
أعطاه حتى وإن كان يريد أن يطلقها. قال الله تعالى : {وَإِنْ أَرَدتُّمُ
ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَىٰهُنَّ قِنطَارًا فَلَا
تَأْخُذُوا۟ مِنْهُ شَيْـًٔا ۚ أَتَأْخُذُونَهُۥ بُهْتَٰنًا وَإِثْمًا مُّبِينًا
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُۥ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ
مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظًا} هكذا فإن الله تعالى قد ذم من أخذ هذا الصداق من يد
زوجته أنه يعد افتراء مبينا وإثما واضحا.
وكذلك في حالة خوف نشوز الزوج فلا تمنع أن تتنازل بحقها وتعطيه
شيئا من مالها, فلا يعتبر هذا الإعطاء من قبيل الرشوة, ولكنه من قبيل الصلح الذي
أمره الله تعالى على الطرفين حين رأت الزوجة علامات النشوز من بعلها, وقال الله
تعالى : {وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِنۢ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا
جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ
وَأُحْضِرَتِ ٱلْأَنفُسُ ٱلشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ
ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.
وفي مسألة الميراث كذلك فإن القرآن قد بين بأن لها حقا
باعتباراتها المختلفة وأهدر قاعدة الجاهلية التي كانت تقضي بحرمانها في الميراث بل
كانت المرأة هي نفسها التي تورث كأنها مال بعد وفاة زوجها. أما باعتبارها زوجة
فنصيبها كما قال الله تعالى : {وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ
يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا
تَرَكْتُم ۚ مِّنۢ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ ۗ}. وأما
باعتبارها أما فقد قال الله تعالى : {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنْهُمَا
ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٌ ۚ} وباعتبارها أختا فقال الله
تعالى : {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ ٱمْرَأَةٌ وَلَهُۥٓ أَخٌ أَوْ
أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوٓا۟ أَكْثَرَ مِن
ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِى ٱلثُّلُثِ ۚ} وباعتبارها بنتا فقال الله جل شأنه :
{يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىٓ أَوْلَٰدِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلْأُنثَيَيْنِ}.
وكذلك اهتمام الإسلام بشأن اليتيمات فلا يجوز لوليها أن يمنعها
من الزواج لرغبته في مالها فيمسكها في حجره حتى تموت ثم يرث ما عندها من الأموال.
وقد منع الإسلام أن يأكل من مالها و يضمها إلى ماله حتى وصف الله تعالى بأن فيه
ذنبا عظيما. قال الله تعالى : {وَءَاتُوا۟ ٱلْيَتَٰمَىٰٓ أَمْوَٰلَهُمْ ۖ وَلَا
تَتَبَدَّلُوا۟ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوٓا۟ أَمْوَٰلَهُمْ
إِلَىٰٓ أَمْوَٰلِكُمْ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}. فإذا بلغن الرشد فلا بد
أن يدفع إليها أموالها كما قال الله تعالى : {وَٱبْتَلُوا۟ ٱلْيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ
إِذَا بَلَغُوا۟ ٱلنِّكَاحَ فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَٱدْفَعُوٓا۟
إِلَيْهِمْ أَمْوَٰلَهُمْ ۖ}
وهكذا احترام الإسلام بحقوق المرأة. و ما عرضته إنما هو بعض
الموضوعات فحسب على سبيل المثال لا على سبيل الحصر. فهناك نصوص كثيرة تدل على
اعتناء الإسلام بشأنها اعتناء بالغا كقضية مشروعية الطلاق و تعدد الزوجات, وكذلك
حق إبداء الرأي والمحاسبة إلى الحكام وغير ذلك من الموضوعات المتعددة. فلا يوجد أي
دين أو تشريع أو حضارة على وجه الأرض لا في القديم ولا في الحديث حفظ المرأة
كرامتها وأعطاها حقها كاملا غير منقوص إلا الإسلام.
والله
تعالى أعلى وأعلم.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar