Pages

Kamis, 31 Agustus 2023

علاج القرآن لنشوز الزوجين

قال الله تعالى في كتابه الكريم : {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ تِبْيَٰنًا لِّكُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ}[1] فالقرآن هو المصدر الأول  للتشريع وهو بيان لكل شيء وهو مكمل ومصدق لما قبله من الكتب. فالإسلام وشريعته ونظامه علاج لمشاكل الناس أجمعين. سواء كانت هذه المشاكل ظهرت من وجود علاقة الإنسان مع نفسه أو علاقته مع غيره من بني الإنسان إما في حياته العامة أو في حياته الخاصة.

وقد ظهر كثير من الأمراض الاجتماعية في حياة المسلمين اليوم. وسبب ذلك يرجع إلى الجهل بالشريعة فيؤدي إلى عدم تطبيقها في حياتهم. فالشريعة قد بينت الواجبات والحقوق لكل مسلم في أي دور ومقام له في الحياة. فلكل عضو من أعضاء الأسرة مثلا واجباته وحقوقه. فقد رأينا اليوم ارتفاع نسب الطلاق في البلاد الإسلامية وانتشار المرض الذي يسمى بالاكتئاب بسبب عدم معرفتهم بالواجبات والحقوق. فيترك الزوج مثلا أهم واجباته في الأسرة وهو إعطاء النفقة لزوجته وأولاده وتطالب الزوجة من زوجه فوق طاقته أو لم تطعه في المعروف. وربما أمرها زوجها بأن تراعي أولاده فشق عليها لأنها لم تفهم أن هذا الأمر من قبيل الوجوب عليها فيثاب على فعله ويعاقب على تركه. وغير ذلك من الأسباب.  

              قال الله تعالى في سورة البلد : {وَهَدَيْنَٰهُ ٱلنَّجْدَيْنِ} وقال جل شأنه في سورة الشمس : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّىٰهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَىٰهَا}. وقد خلق الله الإنسان وسواه وبين له طريقي الخير والشر, فجاء الإسلام بأحكامه ليعرف الإنسان سبيل الرشد ويؤدبه إن وقع في الشرور والفجور والعصيان بالنصح والعقوبة. فشريعة الإسلام وأحكامه من أفضل المعالجة على الإطلاق لحياة الناس بل للعالمين, ﻷنها أتت من عند الخالق الذي يعرف طبيعة مخلوقاته ودقائق أمورها. وهذه الشريعة توافق فطرة الإنسان وتملأ القلوب طمأنينة.

فمن الممكن أن يقع الإنسان في الخطأ والمعصية. فهذا البحث سيتناول عما وقع فيه الزوح أو الزوجة من النشوز. وقد بين القرآن على أن النشوز يمكن أن يظهر من جهة الزوج أو الزوجة لسبب من الأسباب. فبين القرآن علاج هذه القضية.

أما بالنسبة لنشوز الزوجة فقال الله تعالى : {وَٱلَّتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا۟ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [2].فبعد أن بين الله تعالى في مقدمة هذه الآية عن منزلة الرجل بأنه قوام على النساء وبيده قيادة الأسرة لما أوجب الله عليه من الصداق والنفقة ثم بين بعد ذلك علامات المرأة الصالحة, فشرع في الكلام عما إذا وقعت الزوجة في نشوز زوجها أي عصيانها له واستصعبت عليه وارتفعت عن طاعته. وقال ابن عباس : هو أن تستخف بحقوق زوجها ولا تطيع أمره. فأمر الله تعالى على الزوج بقوله : {فَعِظُوهُنَّ} أي ذكروهن ما أوجب الله عليهن من حسن الصحبة وجميل العشرة للزوج والاعتراف بالدرجة التي عليها.[3]وخوفوهن عقوبة الله تعالى.[4] وإذا لم ترجع الزوجة عما فعلته ولم تعترف بحقوق زوجها {وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ} أي فعليه أن يهجرهن في المضاجع. فعن ابن عباس وغيره أن الهجر في المضاجع هو أن يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها. فإن لم ينجع الوعظ ولا الهجران {وَٱضْرِبُوهُنَّ} أي فيجوز عليه أن يضربها. والضرب في هذه الآية لا يكون إلا لقصد التأديب وليس للتعذيب. فلا يجوز الضرب المبرح الذي يكسر العظم ويشين الجارحة, فلا يضرب أيضا على وجهها. وقد وردت الرواية عن هذا النهي  منها ما أخرجها الترمذي عن سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ عن أبيه الذي شهد حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا".

ثم قال الله تعالى : {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} أي فإذا رجعت الزوجة وتابت وأطاعت زوجها وتركت النشوز {فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} أي أن هذا النهي للزوج عن ظلمها وألا يؤذيها, ثم ختم الله هذه الآية بقوله : {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} إشارة إلى الأزواج ليحسن المعاشرة وألا يستعلي أحد على امرأته. فالله هو الوحيد القادر وهو العليم العلي الكبير الذي يراقب جميع أعمال عباده.

هذا من حيث نشوز الزوجة على الزوج فأمره الله تعالى على أن ينصحها ويذكرها ما عليها من الواجبات ومالها من العقوبة والتحذير من الله عز وجل. فإن لم يؤثر عليها النصح والوعظ فعليه الهجران وإن لم تنجع الزوجة بهذا التأديب فيجوز على الزوجة ضربها لأن المقصود منه الصلاح لا غير. فقد أوصى رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام الرجال فقال : "فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"  [5]

أما بالنسبة لنشوز الزوج على زوجتها فيكون العلاج كما قال الله عز وجل في نفس السورة : {وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِنۢ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ ٱلْأَنفُسُ ٱلشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}[6] فسبب نزول هذه اﻵية ما أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها  فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} قَالَتْ الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا فَتَقُولُ أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ". وما أخرجه الترمذي عن ابن عباس قال قَالَ خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ لَا تُطَلِّقْنِي وَأَمْسِكْنِي وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ فَفَعَلَ فَنَزَلَتْ { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ".

{وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِنۢ بَعْلِهَا} أي إن توقعت الزوجة من بعلها أي زوجها, ويطلق على الزوح بالبعل ﻷنه سيد المرأة بالقوامة. {نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} فالنشوز هو استعلاء وارتفاع نفسه على زوجتها. ومن علامات النشوز الغلظة والجفاء والضرب والسب والتهديد بالطلاق وأن يمنعها نفسه ونفقته ومودته. وأما الإعراض فهو كـأن يقلل من محادثتها ومؤانستها ويتساهل في تحقيق رغباتها. وأما أسباب النشوز والإعراض فقد تكون من قبيل الزوجة نفسها كتقدم السن وعقمها وتغير طباعها وإهمالها لمنزلها وتقصيرها في رعاية أولادها, وقد تكون من غير جهتها كتأثير ضرة عليه في كراهيتها أو ظهور امرأة أخرى لم تكن من قبل فلما تزوجهت غيرت مجرى حياتهما.[7] فربما تزوج الزوج الشابة وكان ميله إليها أكثر وآثرها على الزوجة الأولى.

ثم قال الله تعالى : {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ} أي فلا إثم عل كل من الزوج والزوجة أن يصلحا بينهما صلحا بحيث تتنازل الزوجة من حقها في القسم فتعطيه لإحدى ضراتها -فتستمر الحياة معه وذلك كما فعلته سودة مع رسول الله بأن تعطي يومها لعاشئة- أو أن تضع بعض حقوقها من نفقة أو كسوة أو أن تهبه شيئا من مهرها. وأما للزوج فلا إثم ولا حرج عليه قبول ذلك منها ولا يعتبر رشوة مؤثرة لكليهما. والصلح خير فاللام إما للعهد فيكون المراد الصلح بين الزوج وزوجته ففيه إثبات الخيرية بأنه خير من الإعراض والنشوز والفرقة أو من الخصومة. وإما أن تكون للجنس فيكون المراد الصلح على العموم.

ثم قال : {وَأُحْضِرَتِ ٱلْأَنفُسُ ٱلشُّحَّ} أحضر من فعل متعد إلى مفعولين والفاعل محذوف والأنفس يقوم مقامه وهو مفعول أول والشح مفعول ثان. فالتقدير : أحضر الله تعالى اﻷنفس الشح. والشح أشد من البخل أو البخل مع الحرص والجملة اعتراضية. فهذا يدل على أن الشح من طبيعة البشر. فحين أمر الله تعالى الصلح ولا يكون إلا من جهتهما معا فلا بد على الزوجين أن يقدرا حرص الآخر ومصلحته. قال ابن عطية : "فإن الغالب على المرأة الشح بنصيبها من زوجها والغالب على الزوج الشح بنصيبه من الشابة". فلا بد أن تنظر الزوجة حالة نفسية الرجل فتبذل بعض حقوقها إليه من القسم والنفقة مثلا وينظر الزوج إلى حالة نفسية المرأة فيقنع بشيء يسير من قبل زوجتها فيحسن المعاشرة فيجود الإنفاق فيتحقق من ذلك الصلح.

ثم اختتم الله تعالى هذه الآية بقوله : {وَإِن تُحْسِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} أي تحسنوا العشرة مع النساء و تتقوا النشوز والإعراض مع وجود الأسباب المؤدية إليهما وتصبروا على ذلك ولم تضطروهن على فوت شيء من حقوقهن فإن الله بما تعلمون من الإحسان والتقوى خبير. فعبر بالخبير دون العليم لأن الخبير أشمل من العليم فالخبير يسبقه العلم و يكون لدقائق الأمور ولا يكون ذلك إلا الله تعالى.

فمن هنا عرفنا كيف عالج القرآن قضية النشوز إما من جهة الزوج أو الزوجة حتى تستقيم الحالة بينهما وتستمر الحياة الزوجية على حسب ما أقره الشرع وأرشده القرآن بأن العلاقة بينهما هي علاقة المصاحبة. فالزوجة صاحبة لزوجها وهو صاحب لها في حياتها. وقد عبر القرآن الزوجة بالصاحبة في بعض آياته مثل قوله تعالى في سورة عبس : {يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِۦ وَأَبِيه وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ} أي زوجته وأولاده.

والله تعالى أعلى وأعلم

 



[1] النحل : 89

[2]  النساء : 34

[3]  القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر، الجامع لأحكام القرآن، الجزء السادس، ص ٢٨٣، دمشق الحجاز, الرسالة العالمية

[4] النسفي, أبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي, مدارك التنزيل وحقائق التأويل, الجزء الأول ص ٣٥٤, دار تحقيق الكتاب, لبنان

[5]  صحيح مسلم, باب الحج, حجة النبي صلى الله عليه وسلم

[6] النساء : 128

[7] الأستاذ  الدكتور السيد بن إسماعيل علي سليمان عوض, الفتح الرباني في الشرح والتعليق على تفسير روح المعاني للعلامة الآلوسي البغدادي, ص ١٣٣

Rabu, 30 Agustus 2023

حقوق المرأة في ضوء القرآن

فإن من جراء انهيار الحضارة الإسلامية بل منذ أن بدأ انحلال الدولة الإسلامية ظهرت الحركات التي تدعو إلى الحرية. ولا شك أنها نشأت من وجود الحركة العلمانية التي نشرها الغربيون لأجل إبعاد نظام الإسلام من حياة المسلمين. ومن هذه الحركات هي حركة تحرير المرأة التي يدعي أصحابها أن الإسلام قد اهتضم حقوق المرأة و انتقص بشأنها. وأنه لا يعدل بين حقوق الرجل والمرأة.

إن الرجوع إلى القرآن يكفينا لمعرفة مدى اهتمام الإسلام بشأنها اهتماما بالغا. فإني أقدم للقارئ بعض الموضوعات التي تعرض لها القرآن بدون استيعاب كل ما جاء به القرآن متعلقا بشأن المرأة.

أولا- فإن الله تعالى لا يفضل بين الرجل والمرأة إلا بالتقوى والعمل الصالح. فلكل واحد منهما سيستحق الأجر والعقاب على حسب أعمالهما سواء كانت حسنة أم سيئة. فالمرأة ذات مسؤولية مستقلة فيما يتعلق بشؤونها كما كان الرجل. ويستدل على ذلك قول الله تعالى : {فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّنۢ بَعْضٍ} فإن ما ورد في سبب نزول هذه الآية أن أم سلمة قالت : يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله هذه الآية .[1] فهذا السبب الذي نزلت الآية لأجله يدلنا على أن المرأة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تشعر بأن لها حقا كالرجل فإنها تنظر إلى الرجل أنه كشريك لها في الحياة. فلذلك من هذه الرواية وغيرها  قد طرحت بعض نساء المؤمنين السؤال إلى الرسول رغبة في الأجر والثواب كما أعطاه الرجال. وقال الله تعالى في سورة النساء : {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُو۟لَٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} وقال عز وجل في سورة الحجرات : {يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}

ثانيا- في مجال التعلم. فإن الإسلام قد أعطى للمرأة حقا مساويا للرجل في هذا المجال. فقد دلت عليها النصوص الكثيرة بصيغة العموم التي أمرت كلا منهما التعلم وطلب العلم. منها قوله تعالى : {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا۟ فِى ٱلْمَجَٰلِسِ فَٱفْسَحُوا۟ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُوا۟ فَٱنشُزُوا۟ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ دَرَجَٰتٍ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} و قوله عز وجل في سورة التحريم : {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ قُوٓا۟ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} وقد فسره ابن عباس : "أي علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم". والمراد من الأهل الزوجة والأولاد ذكورا كان أم إناثا. وهكذا قد أمر الله تعالى الرجل بكونه زوجا وأبا لأولاده أن يعلموا زوجاتهم وأولادهم هذا الدين ويؤدبوهم. فإن عجز الرجل عن ذلك فلا يجوز عليه أن يمنعهن من الخروج مثلا لأجل التفقه في دينهن على حد ما أباحه الشرع.

              وكانت النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة حرصهن ورغبتهن في العلم والتفقه في الدين فإنهن طلبن من الرسول يوما خاصا لتعليمهن الإسلام. كما وردت في الرواية الصحيحة أخرجها البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَتْ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ". وفي رواية أخرى : "جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ فَقَالَ اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا فَاجْتَمَعْنَ فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ وَلَدِهَا ثَلَاثَةً إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنْ النَّارِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ اثْنَيْنِ قَالَ فَأَعَادَتْهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ"

وكانت نساء الأنصار أفضل النساء لرغبتهن بالعلم فلا يمنعهن الحياء كما قالت عائشة رضي الله عنها : " نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ"[2]. فإن الحياء هو من طبيعة صفة النساء فإنه لا يكون مانعا وحاجزا بأن يتفقهن في الدين. وقال الإمام مجاهد : "لا يتعلم العلم مستحي ومستكبر". فلا يقتصر الأمر بالتفقه في الدين على الرجال فحسب. لأن المرأة لابد لها من فهم و فقه بدينها حتى تتقيد جميع أعمالها بالأحكام الشرعية. فلها دور كبير في بناء الأمة والحضارة لأن الأصل في المرأة الأم وربة البيت وهي التي تقوم بتربية الأبناء أجيال المستقبل وأمل اﻷمة.

فلا يمنع الإسلام المرأة لأن تتعلم العلوم الدنيوية لأجل نفع هذه الأمة وعزتها. فكانت النساء في عهد رسو الله صلى الله عليه وسلم يخرجن مع الغزاة في سبيل الله. فقد أخرج البخاري في صحيحه عدة الروايات في كتاب الجهاد والسير في باب رد النساء الجرحى والقتلى إلى المدينة وكذلك في كتاب الطب في باب هل يداوي الرجل المرأة والمرأة الرجل. ومن هذه الروايات مارواها خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ قالت : "كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَسْقِي الْقَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ وَنَرُدُّ الْجَرْحَى وَالْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ". وفي رواية أخرى أخرجها مسلم عن أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ  :"غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ فَأَصْنَعُ لَهُمْ الطَّعَامَ وَأُدَاوِي الْجَرْحَى وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى". من هذه الأحاديث نعرف أنه يجوز للمرأة أن تتعلم العلوم الدنيوية كالطب والتمريض الذي به تستطيع المرأة أن تقوم ما فيه من نصر وعزة على الإسلام والمسلمين ولا سيما إذا كانت لأمر الجهاد في سبيل الله الذي هو خير الأعمال وهو ذروة سنام الإسلام.

ثالثا- في حق التملك والتصرف بمالها. فمن احترام الإسلام بحق المرأة هو إعطاءها الملكية التامة والحرية في تصرفها. ويدل على ذلك بأن للمرأة حقا لقبول الصداق من زوجها. فيكون هذا الصداق حقا خاصا لها بعد أن يدفعه زوجها. فلها أن تتصرف بما تشاء على حد ما أباحه الشرع. فلا يجوز للزوج أن يطلب شيئا منها مما أعطاه حتى وإن كان يريد أن يطلقها. قال الله تعالى : {وَإِنْ أَرَدتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَىٰهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا۟ مِنْهُ شَيْـًٔا ۚ أَتَأْخُذُونَهُۥ بُهْتَٰنًا وَإِثْمًا مُّبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُۥ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظًا} هكذا فإن الله تعالى قد ذم من أخذ هذا الصداق من يد زوجته أنه يعد افتراء مبينا وإثما واضحا.

وكذلك في حالة خوف نشوز الزوج فلا تمنع أن تتنازل بحقها وتعطيه شيئا من مالها, فلا يعتبر هذا الإعطاء من قبيل الرشوة, ولكنه من قبيل الصلح الذي أمره الله تعالى على الطرفين حين رأت الزوجة علامات النشوز من بعلها, وقال الله تعالى : {وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِنۢ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ ٱلْأَنفُسُ ٱلشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.

وفي مسألة الميراث كذلك فإن القرآن قد بين بأن لها حقا باعتباراتها المختلفة وأهدر قاعدة الجاهلية التي كانت تقضي بحرمانها في الميراث بل كانت المرأة هي نفسها التي تورث كأنها مال بعد وفاة زوجها. أما باعتبارها زوجة فنصيبها كما قال الله تعالى : {وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّنۢ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ ۗ}. وأما باعتبارها أما فقد قال الله تعالى : {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٌ ۚ} وباعتبارها أختا فقال الله تعالى : {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ ٱمْرَأَةٌ وَلَهُۥٓ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوٓا۟ أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِى ٱلثُّلُثِ ۚ} وباعتبارها بنتا فقال الله جل شأنه : {يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىٓ أَوْلَٰدِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلْأُنثَيَيْنِ}.

وكذلك اهتمام الإسلام بشأن اليتيمات فلا يجوز لوليها أن يمنعها من الزواج لرغبته في مالها فيمسكها في حجره حتى تموت ثم يرث ما عندها من الأموال. وقد منع الإسلام أن يأكل من مالها و يضمها إلى ماله حتى وصف الله تعالى بأن فيه ذنبا عظيما. قال الله تعالى : {وَءَاتُوا۟ ٱلْيَتَٰمَىٰٓ أَمْوَٰلَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا۟ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوٓا۟ أَمْوَٰلَهُمْ إِلَىٰٓ أَمْوَٰلِكُمْ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}. فإذا بلغن الرشد فلا بد أن يدفع إليها أموالها كما قال الله تعالى : {وَٱبْتَلُوا۟ ٱلْيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُوا۟ ٱلنِّكَاحَ فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَٱدْفَعُوٓا۟ إِلَيْهِمْ أَمْوَٰلَهُمْ ۖ}

وهكذا احترام الإسلام بحقوق المرأة. و ما عرضته إنما هو بعض الموضوعات فحسب على سبيل المثال لا على سبيل الحصر. فهناك نصوص كثيرة تدل على اعتناء الإسلام بشأنها اعتناء بالغا كقضية مشروعية الطلاق و تعدد الزوجات, وكذلك حق إبداء الرأي والمحاسبة إلى الحكام وغير ذلك من الموضوعات المتعددة. فلا يوجد أي دين أو تشريع أو حضارة على وجه الأرض لا في القديم ولا في الحديث حفظ المرأة كرامتها وأعطاها حقها كاملا غير منقوص إلا الإسلام.

والله تعالى أعلى وأعلم.



[1] أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين

[2] مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم

Find my Instagram

Senin, 28 Agustus 2023

تخيير الله تعالى أزواج النبي

إن الله تعالى قد جعل الدنيا وما فيها من زينتها ومتاعها ليمتحن عباده المؤمنين. فهي ليست مذمومة لذاتها ولكن لإاردتها. فقد عاتب الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وزجرهن بسبب إرادتهن من النبي الزيادة في النفقة وقيل أنهن طلبن منه شيئا من عرض الدنيا. وذلك في قوله تعالى: }يَأيُّهَا ٱلنَّبِىُّ  قُل لِأزْواجِكَ إن كُنتنَّ ترِدْنَ ٱْلحَيوةَ ٱلدُّنْيَا وزينَتهَا فَتعَاليْنَ أمَتِعْكُنَّ وَأسَرِحْكُنَّ سَراحًا جَمِيلًا وَإِن كُنتنَّ ترِدْنَ ٱللّه  وَرَسُولهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ  فَإِنَّ  ٱللَّه أعَدَّ للمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أجرا عَظِيمًا{.


ففي سبب نزول هذه الآية قيل أن أزواجه صلى الله عليه وسلم طلبن منه التوسعة والزيادة في النفقة ما ليس لديه. وفي الرواية فيما أخرجه الشيخان عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله قَالَ: دَخَلَ أبُو بَكْرٍ يَسْتأْذِنُ عَلى رَسُولِ الَّله صَلى اللُّه عَليْهِ وَسَلمَ فَوَجَدَ النَّاسَ جُلوسًا بِبَابِهِ لمْ يُؤْذَنْ لِأحَدٍ مِنْهُمْ قَالَ فَأذِنَ لِأبَي بكْرٍ فَدَخَلَ ثمَّ أقْبلَ عُمَرُ فَاسْتأْذَنَ فَأذِنَ لهُ فَوَجَدَ النَّبِيَّ صَلى اللُّه عَليْهِ وَسَلمَ جَالسًا حَولهُ نِسَاؤهُ وَاجِمًا سَاكِتا قَالَ فَقَالَ لَّأقُولنَّ  شَيْئًا أضْحِكُ النَّبِيَّ صَلى اللُّه عَليْهِ وَسَلمَ فَقَالَ  يَا رَسُولَ الله لوْ أريْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَألتْنِي النَّفقَةَ فَقُمْتُ إليْهَا فَوَجَأْتُ عُنقَهَا فَضَحِكَ رَسُولُ اللّه صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَالَ هُنَّ حَوْلِي كَمَا ترَى يَسْألنَنِي النَّفقَةَ فَقَامَ أبو بَكْرٍ  إلى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا فَقَامَ عُمَرُ إلى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا كِلَاهمَا يَقُولُ تسْألنَ رَسُولَ اللّه صَلى اللّه عَليْهِ وَسَلمَ مَا ليْسَ عِنْدَهُ فَقلنَ وَاللّه لَا نَسْألُ رَسُولَ اللّه صَلى اللّه عَليْهِ  وَسَلمَ شَيْئًا أبَدًا ليْسَ عِنْدَهُ ثمَّ اعْتزَلهُنَّ شَهْرا أوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثمَّ نَزَلتْ عَليْهِ هَذِهِ الآيَةُ {يَا أيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِّزْ وَاجِكَ} حَتى بلغَ {للمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أجْرا عَظِيمًا} قَالَ فَبَدَأَ بعَائِشَةَ  فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ إنِي أرِيدُ أنْ أعْرِضَ عَليْكِ أمْرا أحِبُّ أنْ لَا تعْجَلِي فِيهِ حَتى تسْتشِيري أبَوَيْكِ" قَالتْ: "وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللّه" فَتلَا عَليْهَا الآيَةَ قَالتْ: "أفِيكَ يَا رَسُولَ اللّه أسْتشِيرُ أبَوَيَّ بلْ أخْتارُ اللّه وَرَسُولهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ وَأسْألكَ أنْ لَا تخْبِرَ امْرأةً مِنْ نِسَائِكَ  بِالذِي قُلتُ" قَالَ: "لَاتسْألنِي امْرأةٌ مِنْهُنَّ  إلا أخْبَرْتهَا إنَّ اللّه لمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِتا ولَا مُتعَنِتا وَلكِنْ بَعَثنِي مُعَلمًا مُيَسِرا"

وأما مناسبة هذه الآية لما قبلها أن هذه السورة أي سورة الأحزاب تتكلم عن انتصار المسلمين في غزوة الأحزاب وسميت هذه الغزوة بها بسبب اجتماع الأحزاب وطوائف من المشركين فيها لمحاربة المسلمين، أو ما تسمى بغزوة الخندق. فقد فتح الله تعالى على هذا الانتصار الغنائم والنعم للرسول والمؤمنين. فقد نصح النبي صلى الله وسلم أصحابه عن خوفه بأن فتح الله تعالى لهم الدنيا فيهلكون كما تهلك من كان قبلهم. وفي هذه الْآية أمر الله تعالى نبيه أن يخير أزواجه بين الدنيا وزينتها فيطلقهن وبين الله ورسوله والدار الآخرة. وقد سميت هذه الآية عن المفسرين بآية التخيير.

وكما أن هذه السورة تتحدث عن فريق من المنافقين الذين يؤذون الله ورسوله بمكرهم وعدم خضوعهم بأمر الرسول ولَا سيما أن غزوة الأحزاب من أشد الغزوات التي يواجهه المؤمنون لشدة حالهم من الجوع والاضطراب. وكذلك فإن هذه الآية وما بعدها تأمر أزواج النبي على الطاعة والتقو ى وتنهى عن إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم لأن طلبهن على الزيادة في النفقة من قبيل إيذائه.

ففي قوله تعالى:  {يَأيُّهَا ٱلنَّبِىُّ  قُل لِأزواجِكَ إن كُنتنَّ ترِدْنَ ٱلحَيَوةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتعَاليْنَ أمَتِعْكُنَّ وَأسَرِحْكُنَّ سَراحًا جَمِيلًا} فالنداء هنا للتنبيه. والرسول كما قال الله تعالى في آية ٣٣ من هذه السورة أنه أسوة حسنة فإنه قدوة في امتثال أمر الله تعالى في أمر الطلاق حيث أنه سيعطي التمتع لأحد سيطلقها وقدم التمتع على السراح ليدل على حقيقة التخيير دون أي شائبة من الإك اره. وقوله {إن كُنتنَّ ترِدْنَ} لفظ إن يدل على الشك فيفيد أنه لا يناسب أن تقع هذه المطالبة من أزواج النبي لمقامهن ومنزلتهن.

ولفظ {وَزِينَتهَا} فأصل الزينة هي ما تخفي حقيقة الشيء وكذلك زينة الدنيا فإنها تخفي ما وارءها وما هي حقيقتها. ولفظ {فَتعَاليْنَ} من تعالى لينادى لمن أعلى منه وكثر استعماله لنداء  ما يتقرب إليه ولكن المراد في هذه الآية بمعنى أقبِل. وهذا النداء يدل على كمال التخيير. وقوله: {أسَرِحْكُنَّ سَراحًاجَمِيلًا} يدل على أن يكون السراح أي الطلاق بالمعروف من غير إضرار ولا منع من حق بل مع الزيادة لحقوقهن. ولم يذكر الله تعالى في هذه الْآية ما سيحصل منهن بسبب اختيارهن لو اخترن الدنيا بخلاف الْآية التي تليها فإنه ذكر الوعد لو اخترن الله ورسوله بقوله:  {فَإِنَّ ٱللَّه أعَدَّ للمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أجْرا عَظِيمًا} وذلك يدل على كمال التخيير لهن بدون أي تهديد وإكراه.

ثم قال جل شأنه بعد هذه الْية بقوله: {وإن كُنتنَّ ترِدْنَ ٱللَّه  وَرَسُولهُ  وَٱلدَّارَ  ٱلآخِرَ ةَ فَإِنَّ الله أعَدَّ للمُحْسِناَتِ مِنكُنَّ أجْرا عَظِيمًا} فقد عطف الله تعالى بينه ورسوله والدار الْآخرة بدون تكرار لفظ الإاردة ليفيد أنه لا فرق بين هذه الثلاثة وإرادة الرسول لَا تتم إلَا بإاردة الله تعالى. ونعم الْآخرة لَا تقدر بشيء من نعم الدنيا وما فيها جميعا. وقوله :{فَإِنَّ الله أعَدَّ للمُحْسِ نَاتِ مِنكُنَّ} جواب للشرط بذكر ما سيحصل لهن بإختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة. ففي هذه الآية أسلوب الإطناب والأصل أن يقول: فإن الله أعد لكن أجرا عظيما. ويفيد قوله بأن منزلة أزواج النبي تتفاوت بقدر أعمالهن وإحسانهن وطاعتهن. وقد أسند الله تعالى هذا الاعداد إلى نفسه للتعظيم. وتقديم المحسنات على أجر عظيم للتخصيص. وفي قوله: {أجْرا عَظِيمًا} ذكر بالتنكير ليفيد التعظيم والتنكير لأن ما أعد الله تعالى في الآخرة من الأجور والنعم لَا أحد يعرفها ويتصورها. وما وعد الله تعالى في هذه الآية من باب الترغيب والتبشير لهن ولم يتوعد في الآية التي قبلها لتحقيق كمال الحرية في الاختيار وعدم إكراه.

ثم قال عز وجل: {يَنِسَاءَ ٱلنَّبِي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفحِشَةٍ مُّبَينَةٍ يُضَعَفْ لهَا ٱْلعَذَابُ ضِعْفيْنِ ۚ  وَكَانَ  ذَلكَ عَلى الله يَسِيرا} ففيه أسلوب الالتفات بأنه تعالى قد خاطب الرسول في الآية السابقة. فهنا فإنه عز وجل خاطب أزواجه مباشرة. ولم يكن ندائه "يا أزواج النبي" ليدل على عنايته بحالهن وتوجيه له إليهن لإظهار الاعتناء بنصحهن. وسبب ذلك أنهن بعد أن اخترن الله ورسوله صرن أهلا لأن يخاطبن مباشرة وقيل لأنهن أهلا ليعطين أجرا عظيما ففيه دليل على تكريم الله تعالى لهن. وفي قوله: {مَن  يَأْتِ مِنكُنَّ بِفحِشَةٍ مُّبَيِنَةٍ} فإن الفاحشة إذا تنكِر فإنها تطلق على كل معصية وذنب ومنها عدم الطاعة للرسولوالشق عليه والمطالبة ما فوق طاقته. فإذا تعرِف فيكون المعنى كما قاله المفسرون أنها الزنا أو اللواط. ولايليق هذه الكبائر أن توقع في أزواج النبي. {مُّبَيِنَةٍ} إذا قرئ بكسر الياء فالمعنى أي يبين حال الإنسان المرتكب هذه الفاحشة والمعاصي وإن قرئ بفتحها أي فاحشة ظاهرة بينة. ثم قال: {يُضَعَفْ لهَا ٱْلعَذَابُ  ضِعْفيْنِ} أي أنه يعذبهن ضعفي عذاب غيرهن أي مثليه لأن الذنب منهن أقبح فإن زيادة الذنوب والأجور لزيادة عاملها. وزيادة الفضل تلتزم زيادة الطاعة والعمل لكونهن قدوة لسائر المؤمنات. ولم يسند الله تعالى هذا التعذيب له تعظيما بشأنه. ثم ختم الله تعالى في هذه الْية بقوله: {وَكَانَ  ذَلكَ عَلى ٱلله يَسِيرا} أي لَيمنعه كونهن أزواج النبي من التعذيب بل التضعيف، فكل ذلك يسير على الله جل شأنه. ففي سورة التحريم أن الله تعالى قد تكلم عن بعض أزواجه ليعظهن بما فعله للرسول ثم ختم هذه السورة بضربه على امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين صالحين ولم يكن ذلك ضمانا لهن لمنزلتهن لدخول الجنة لعدم إيمانهن وطاعتهن لزوجه. فهذا الضرب يكون نصحا لهن لألَا يكن مثلهن.

                  ثم قال الله تعالى: {وَمَن يَقْنتْ مِنكُنَّ للِّه وَرَسُولِهِ وَتعْمَلْ صَلحًا نُّؤْتِهَا أجْرَهَا مَرَّ تَيْنِ وَأعْتدْنَا لهَا رِزْقًا كَرِيمًا} هذه الْآية عطف لما قبلها بعد أن أنذر الله تعالى في تلك الْآية بضعفي العذاب على من عملت منهن شيئا من المعاصي تهويلا لهن ففي هذه الْآية وعد الله تعالى بمضاعفة الأجور إن دمن على الطاعة والتقوى. فإن القنوت هي الزيادة والدوام وطول المدة على الطاعة. وقال مرتين قال الإمام أبو سعود في تفسيره بأن مرة على الطاعة والتقوى وأخرى على طلبهن رضا رسول الله والقناعة وحسن المعاشرة. فإن لفظ المضاعفة في الأجور قد أطلقها الله تعالى عامة لسائر المؤمنين وذلك مثل قوله حين وعد على من ينفق أمواله في سبيل الله: {مَن ذَا ٱَّلذِى يقْرِضُ ٱلَّلَّ  قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَعِفهُ ۥلهُ أضْعَافًا كَثِيرَةً} وفي قوله لمن يعمل عملا من الحسنات: {وَإِن تكُ حَسَنَةً يضَعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لدُنْهُ أجْرا عَظِيمًا} أما لفظ مرتين ذكر الله تعالى لتخصيصه على نساء النبي. ففيها أسند الله تعالى إعداد الأجر والرزق الكريم لهتعظيما وتفخيما والتفت من المضارع إلى الماضي في الاعداد ليدل على تحققه. ثم نكر في قوله: {رِزْقًاكَرِيمًا} لأن التعريف يفيد العهدية أو الجنسية فلا يمكن في حقه لأن هذا الرزق الذي أعد الله تعالى هي الجنة التي لم يعرفها أحد وهي زيادة على أجرها المضاعف.

وهكذا عاتب الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تذكيرا لهن وتنبيها لشأنهن ومنزلتهن ومقامهن عند الرسول. فإنهن بعد نزول هذه الآية وخيرهن الرسول عليه الصلاة والسلام بين الدنيا والدار الآخرة ثم اخترن الله ورسوله والدار الْآخرة فقد استعدن أنفسهن ليعشن ويصاحبن الرسول لأجل الإسلام حمل رسالته مع ما فيها من المتاعب والمشقات والشدة والفقر. فلا عجب بأنهن خير النساء فصرن قدوة لسائر المؤمنات في سائر الزمان إلى أن تقوم الساعة. وهن أمهات المؤمنين كما قال عج وجل: {ٱلنَّبِىُّ أوْلى  بِٱْلمُؤْمِنِينَ  مِنْ أنفُسِهِمْ ۖ وَأزْ وَجُهُ ۥ أمَّ هَتهُمْ} جعل الله وإياكن ممن تعترف بقدر نساء النبي وتجعلهن قدوة في حياتها.

والله أعلم ورد العلم إليه أسلم


Find my Instagram

Minggu, 27 Agustus 2023

بين معنى القوامة والمرأة الصالحة

المقدمة

        فإن ما يضمن سعادة حياة المؤمن هو نيل رضوان الله تعالى. فلا يستطاع نيله إلا بالقيام بما أمره الله تعالى واجتناب ما نهى عنه. والقيام بهذه الأوامر والاجتناب عن النواهي تحتم على الفهم والإدراك. وقد تنظم هذه الأوامر والنواهي علاقات المؤمن بربه وعلاقاته بنفسه وعلاقاته بغيره من بني الإنسان. وهذا الفهم سيغير سلوكه في حياته فلن يهمل على الأوامر -سواء كانت  على سبيل الفرض أم على سبيل الندب- ولن يضيع حقوق ربه وحقوق نفسه وكذلك حقوق غيره في جميع معاملاته. وقد تكلف الله تعالى الواجبات على عباده حسب طاقته وطباعه لأنه عز وجل لطيف خبير وعليم بحقيقة مخلوقاته. قال تعالى : {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ})[1](

تحليل الآية: في معنى القوامة والمرأة الصالحة

فإنه تعالى قد كلف على كل من الرجال والنساء عدة الواجبات نحو الآخر تتناسب مع طباعهم واستطاعتهم. فمن هذه الواجبات ما تتعلق وتنظم العلاقة الزوجية. وذلك مثل قوله عز وجل: {ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنفَقُوا۟ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ ۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ} قد بين الله تعالى لنا في هذه الآية معنى قوامة الرجال على النساء وكذلك العلامتين اللتين بهما أصبحت النساء أي الزوجات صالحات.

فقوله تعالى :{ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ} فالقوام من صيغة الفعال للمبالغة من القيام بالشيء. فقد قال عليه الصلاة والسلام فيما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" فقد مثل عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث مكانة ومسؤولية الرجل على أهله -وفيهم الأولاد والأزواج- كمسؤولية الراعي -أي من يرعى الماشية- على رعيته من القيام لحفظها ورعايتها وإطعامها وسقيها وحرسها من أنواع المرض والأضرار التي توقعها في التهلكة وغير ذلك من أنواع الرعاية.

وقد أمرهم الله تعالى أن يؤدبوا أهلهم وأولادهم لأن في تأديبهم الوقاية من النار ويدل على ذلك قوله تعالى في سورة التحريم: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ قُوٓا۟ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارً} أي علموهم وفهموهم شرائع الإسلام وأدبوهم محاسن الأخلاق.[2]

وأمرهم الله تعالى كذلك بأن يعاشروا أزواجهم بالمعروف وإن كرهوا على بعض ما فيهن فقال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُوا۟ شَيْـًٔا وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} وقد أوصاهم الرسول عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع فيما أخرجه الترمذي: "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ" والعوان جمع من عانية وإنما قيل للمرأة أنها عانية لأنها محبوسة كالأسير عند الزوج وقد تمنع من الخروج إلا بإذنه. وفي حديث آخر أخرجه أبو داود أنه عليه الصلاة والسلام قال: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ"  فإن ظهرت منهن علامة النشوز فعلى الزوج وعظهن أو تأديبهن بالهجر أو الضرب.

ثم قال تعالى: {بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} أي أنه عز وجل قد جعل لهم القوامة لتفضيل الله تعالى إياههم عليهن بكمال الصلاة والصيام والقوة والغزو والنبوة والخلافة والإمامة والأذان والخطبة والجماعة والجمعة والجهاد وولاية النكاح والطلاق وتعدد الأزواج والشهادة في القصص والحدود وإليهم الانتساب وغير ذلك مما يخص الله تعالى على الرجال دون النساء.

ثم قال تعالى: {وَبِمَآ أَنفَقُوا۟ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ} فالجملة عطف لما قبلها أي أن القوامة تكون بسبب تفضيل الله إياهم وإنفاقهم على أزواجهم. وفيه دليل على وجوب النفقة على الرجال. وقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام عن فضل من أنفق على أهله. منه ما أخرجه البخاري عن أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ". وفي رواية أخرى أخرجه البخاري كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وَلَسْتَ تنفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا آجَرَكَ اللَّهُ بِهَا حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ". وما أخرجه مسلم في رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ". وفي الحديث ما أخرجه الترمذي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ"

ثم بين الله تعالى بعد ذلك علامتي المرأة الصالحة بقوله: {فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ} فٱلصَّٰلِحَٰتُ مبتدأ مرفوع وخبره جملة اسمية: قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ للغيب. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ" فكأن المرأة الصالحة بمنزلة خير متاع الدنيا وأفضلها. فبينت هذه الآية أن من علامات صلاح المرأة أن كون قانتة أي مطيعة لله تعالى ولزوجها في المعروف. فتبين فيها الأمر على النساء بطاعة الزوج والقيام بحقوقه. وفي الحديث عن أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ". وعن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ". فلا بد على النساء أن تهتمن بحقوق أزواجهن. وفي الحديث ما أخرجه الترمذي: "إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ"

وقوله تعالى: {حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ} أي حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن عنهن في فروجهن وأموالهم وللواجب عليهن من حق الله تعالى وغيره. )[3]( و في الحديث عن عبد الرحمن بن عوف فيما أخرجه أحمد: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ" 

ثم قال تعالى: {بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ} ففيه قراءتان بالرفع  -وهو عند جمهور القراء- وبالنصب -وهو عند أبي جعفر-. فإن قرئ مرفوعا فيكون المعنى: حافظات لغيب أزواجهن بحفظ الله تعالى ومعونته وتسديده. وبالنصب بحفظهن أمره ودينه.)[4](

الخاتمة

وهكذا بين الله تعالى في هذه الآية معنى القوامة للرجال وكيف أصبحت المرأة صالحة. وقد عرفنا من هذه الآية ما أوجب الله عز وجل على الرجل نحو امرأته من النفقة والمهر والتأديب والرعاية. وكذلك ما أوجب الله سبحانه وتعالى على المرأة نحو زوجها من الطاعة وحفظ نفسها وأمواله عند غيبته. فلابد على كل واحد منهما فهم ما أوجب الله تعالى عليه وما هي حقوق غيره التي يجب عليه أن يرعاها.

فليست هذه الواجبات على الرجال سبيلا وفرصة لهم للاستبداد على النساء واسترقاقهن وإنما هي الأمانة والمسؤولية منه عز وجل التي سيحاسبهم عليها. وكذلك أن الواجبات التي كلف الله تعالى على النساء فليست من قبيل احتقارهن وإهانتهن وإنما هي تشريف وتعظيم بشأنهن. لأن الأصل في المرأة أم وربة البيت وهي عرض يجب أن يصان.

فرضوان الله تعالى هو غاية الغاية عند المؤمن. ولا يكون تحقيق هذه الغاية إلا بأداء كل ما أوجبه الله تعالى عليه. ففيه الأجر والثواب والطمأنينة والسعادة.

والله تعالى أعلى وأعلم


(١) الملك: ١٤

(٢) النووي البنتني، شرح عقود اللجين في بيان حقوق الزوجين، محمد بن عمر بن علي النووي البنتني الجاوي، الفصل الأول في بيان حقوق الزوجة الواجبة على الزوج، ص ١٣

(٣) الطبري، أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، المجلد السادس، سورة النساء، ص ٦٩٢، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ٢٠٠١ م

) القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر، الجامع لأحكام القرآن، الجزء السادس، ص ٢٨٢، دمشق الحجاز، الرسالة العالمية، ٢٠١٢ م

find my instagram